حسمت المحكمة الإدارية العليا الخلاف حول ترشيح أعضاء الحزب الوطني المنحل، فأوقفت الحكم الذي كان قد صدر بمنع ترشيحهم، لأن الحرمان من الحقوق السياسية من اختصاص السلطة التشريعية. وبالتالي فلا يمكن للقاضي هنا أن يجتهد ويحكم دون أن يكون مستندا للقانون. هكذا عاد الوضع إلي ما كان عليه، إلا إذا صدر القانون الخاص بجرائم الفساد السياسي، وهو أمر كان يفترض أن يصدر في الأيام الأولي للثورة، وتأخيره للآن هو جزء من الارتباك الذي ساد الفترة الانتقالية في كل المجالات. فلا توجد ثورة تنجح ثم تترك النظام السابق كما هو، ولا يوجد ثوار يستولون علي السلطة ولا يفرضون العزل السياسي علي أعداء الثورة ومن أفسدوا في حماية القوانين التي يتم تفصيلها لهم. لكن المشكلة عندنا أن الثورة لم تحكم حتي الآن، وأن اللاعبين الأساسيين علي المسرح السياسي قبل الثورة مازالوا كما هم، والسياسات لم تتغير، ومن يديرون الأمور يتصورون أن مهمتهم هي مراقبة الموقف وكأننا في مباراة كرة يكتفي فيها بحساب »الفاولات« ولسنا في معركة مصير ينبغي أن يكون كل شيء فيها مكرسا لهدف واحد هو: تمكين الثورة! كان المفترض أن يصدر قانون »العزل السياسي« منذ بداية المرحلة الانتقالية، وأن يشمل كل من أفسد الحياة السياسية، وأن يعاد تشكيل كل الأحزاب بعد استبعاد من يشملهم القانون، وألا يقتصر الأمر علي الفاسدين في الحزب الوطني المنحل، بل علي الجميع.. بمن فيهم بعض من يتصدرون المشهد الآن ويتحدثون باسم الثورة، بعد أن كانوا جزءا من تركيبة الفساد الحاكم، وبعد أن عقدوا الصفقات مع النظام السابق، وأهدروا كرامة أحزاب وجماعات وتيارات سياسية لها تاريخها ومكانتها، ليصلوا إلي البرلمان كما كان يصل الحزب الوطني تماما.. بالتزوير الفاضح أو التنازلات المهينة! والعزل السياسي لا يتم بهدف الانتقام، ولا من باب الصراع علي مقاعد البرلمان، وإنما يتم لتمكين قوي الثورة الحقيقية من الحكم. ولأن هذا ليس واردا حتي الآن فإن قانون العزل لم يصدر، وإذا صدر فلن يكون بالصورة المطلوبة. ولهذا أيضا تجري الانتخابات البرلمانية الآن، والكل يعرف أنها لن تجئ ببرلمان الثورة. ولهذا لا تندهش كثيرا اذا رأيت في معظم الدوائر أن الثورة غائبة، وأن المعركة الانتخابية ليست إلا فصلا جديدا من صراع بين فلول.. وفلول!!