لم تكن الزكاة ضارة بحال الفقير ولا بحال صاحب المال، بل فاوت الله في مقادير الزكاة حسب الجهد الذي يبذله صاحب المال فما كان من جهود كثيرة كالنقد وعروض التجارة قل مقدار ما يخرجه صاحب المال من الزكاة وما كان أقل جهدا كالركاز يزيد مقدار ما يخرجه للزكاة، ففي زكاة النقدين وعروض التجارة يخرج ربع العشر وفي زكاة الركاز يخرج الخمس. وأيضا في زكاة الزوع والثمار: فما كان منها يسقي بالآلة يخرج منه نصف العشر. وما كان منها يسقي بغير آلة ففيه العشر.. وهكذا كلما كان الجهد المبذول أكثر كان مقدار الزكاة أقل، وكلما كان الجهد المبذول أقل كان مقدار الزكاة أكثر. وعبادة الحج لم يفرضها الله ولم يوجبها إلا علي المستطيع ولم يفرضها مرتين أو أكثر بل فرضها علي المستطيع مرة واحدة في العمر كله. وهكذا كانت جميع التكاليف الشرعية، لا إفراط فيها ولا تفريط، ولا غلو فيها ولا تقصير، بل جاءت وسطا يستطيع كل مكلف ان يأتي بها. وسطية الأخلاق: وإذا نظرنا إلي الاخلاق في الاسلام وجدنا أنها جاءت وسطا، فكل فضيلة من الفضائل وسط بين رذيلتين، ففضيلة الكرم وسط بين »التبذير« إذا كان هناك افراط، وبين »البخل« إذا كان هناك تفريط. وفضيلة »الشجاعة« وسط بين »التهور« إذا كان الافراط، وبين »الجبن« إذا كان التفريط »وهكذا«. وسطية الروح والجسد لقد عني الاسلام برعاية الجسد ورعاية الروح ولم تتركز عنايته لجانب دون الآخر، فدعا الاسلام إلي متطلبات الجسد في الحلال بعيدا عما حرم الله، ففي الحديث: ».. وان لجسدك عليك حقا«. ولم يحرم الزينة الحلال ولا الطيبات من الرزق، قال تعالي: »قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق« (سورة الأعراف 23). ودعا إلي وسائل القوة كالرماية والسباحة وركوب الخيل والرياضة البدنية. كما عني بالجانب الروحي بالعادات والالتجاء إلي الله والتوجه اليه بالدعاء، وتوثيق الصلة الدائمة بالله تعالي ومراقبته في السر والعلانية وتواصل الرعاية بالبدن والروح والتوازن بينهما بحيث لا يطغي جانب الجسد والمادة علي الروح، ولا يطغي جانب الروح علي الجسد بل يكون الانسان في الوسط وهو الاعتدال بين متطلبات الجانبين، ولقد وجه الرسول »صلي الله عليه وسلم« إلي هذه الوسطية والاعتدال بين متطلبات الروح والجسد فعندما علم انهماك عبدالله بن عمرو بن العاص في العبادة، قال له: »ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال عبدالله: فقلت: بلي يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام: فلا تفعل، صم وأفطر وقم ونم، فان لجسدك عليك حقا، وان لعينك عليك حقا وان لزورجك عليك حقا، وان لزورك عليك حقا« »زورك«: أي ضيفك. وسطية المنهج في الدعوة وجاء منهج الدعوة الإسلامية وسطا، لا اكراه فيه ولا تشديد، ولا تهاون فيه ولا تفريط وانما هو دعوة تتناسب مع معادن الناس وأحوالهم، وتقوم علي الحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالي: »ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن« (سورة النحل 521). كما يقوم منهج الدعوة علي اللين في القول، وعدم التشدد أو التزمت فقد قال الله تعالي: »فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي« (سورة طه 44). ولقد وعظ احد الواعظين المأمون فأغلظ له في القول، فقال: يا رجل »ارفق« فقد بعث الله من هو خير منك -يريد موسي وهارون عليهما السلام إلي من هو شر مني - يريد فرعون- فأمرهما بالرفق واللين فقال سبحانه: »فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي«. وتقتضي وسطية المنهج الدعوة باللين والتدرج والتؤدة، وعدم التفريط والطفرة والعجلة. »اويت متئدا وداووا طفرة واخف من بعض الدواء الداء فالتدرج في الدعوة وعدم الطفرة هي سمة المنهج الإسلامي في الدعوة وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز ان ابنه عبدالملك قال له: مالك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو ان القدور غلت بي وبك في الحق، فقال له عمر: لا تعجل يا بني، فان الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، واني أخاف ان أحمل الحق علي الناس جملة فيدفعوه جملة ويكون من ذا فتنة«.