النظم السياسية الحديثة لا تبني بالتطمينات ولا بإظهار الزهد المستمر في ترك سدة الحكم لمن يراه الشعب أولي بثقته.. هذه بديهة سياسية في بناء وإرساء دعائم الدول الديمقراطية الحديثة.. فما بالك بالرغبة الشعبية التي ترجمت بدماء أريقت في الميادين من أجل ترسيخ نظام ديمقراطي بدلا من نظم ديكتاتورية استعبدته قرونا.. أظن يظل التغيير الحاسم والسريع والباتر مع كل مؤسسات وتنظيمات النظام الساقط ومن كان له صلة به هي السمة الغالبة علي كل فعل يريد تلبية ما ثار الشعب من أجله واتخاذ القرارات غير المتراخية أولي دلائله وأولوياته لنصدقه ونبتلع التطمينات المتكررة ونصدق الزهد في اعتلاء كرسي ما كان له من جالس بغير رضاء جموع الشعب..! لكن المشهد الحالي يؤكد لنا كل يوم ترسخ الذهنية القديمة فينا وعقليةالرأي الواحد والرؤية المنفردة وما عداها يعد قلة تريد تخريب وشق عصا الجماعة.. من هنا يتأكد لنا كل يوم عدم مغادرة الثورة ميادين مصر..علاوة علي تخبط الطبقة السياسية الحاكمة في رؤيتها مما يوحي بإعادة انتاج النظام القديم ولو بحسن نية منها..! ويكمل المشهد مصارعة السياسيين القدامي "ماركة" النظام البائد ومن انقلبوا عليه فجأة بفعل مسايرة المرحلة وبما يملكون من طمع بشري للظهور في المشهد الثوري حتي يجدوا لهم موطأ قدم بالنظام الجديد المستنسخ..وساعتها يحلمون بالتفرد بالسلطة التي خرست ألسنتهم طوال العهد القديم بالمجاهرة في الطمع بها.. ولااظن ان المشهد السياسي الحالي لو استمر علي ما هو عليه بقادر علي انتاج نظام ثوري مادام النظام المرتعش يحافظ بكل ما أوتي من غباء علي نفس المؤسسات القديمة بل واختيار قيادتها بنفس عقلية النظام العقيم.. ولانجد لسنة نبراسهم مبارك تبديلا! كيف نحقق أماني الشعب في حياة ديمقراطية عادلة ومازالت البنية السياسية التي ثار أغلبنا عليها وقتل منا من قتل راسخة مترسخة في عقول من يلعب علي الساحة.. ولماذا نحافظ علي بني نظام انتج ديكتاتورية ناصر وهوس السادات وغباء مبارك.. نظام لف الوطن وتسبب في غياب حقيقي لكافة المؤسسات الحديثة المشاركة في إدارة شئون البلاد.. ونبقي علي ذهنية تمجد صورة الفرد الفرعون. يبدو ياطويل العُمر انك فلحت ونجحت وهنيئا لك فنحن نسير بخطي ثابتة نحو اعادة انتاج النظام القديم وعلي طريقة »من فات قديمة تاه«.. لو كنا فعلا نريد العمل علي احلال وابدال النظم الجديدة بدلا من النظم القديمة لكانت البدابة من حيث انتهي الأخرون. لماذا يشعروننا كأن تجربتنا غير مسبوقة ولم تمر الشعوب ولا الدول في طرق تحررها إلي الأنظمة الديمقراطية بما نمر به وعليه لا يجب الاستعانة بخبرات من سبقونا.. في الوقت الذي نستفيد فيه بكل ما يجري في عروقنا وفي حياتنا بما فعلته تجارب الدول الأخري.. نبتلع منهم الدواء والكساء ونستهلك مما يصنعون في كل مناشط حياتهم.. لكن في التجارب السياسية الديمقراطية كأننا نعيش في صحراء جرداء ونجرب كل شيء مع نظرية المحاولة والخطأ.. ونعلم جميعا ان جسد الدولة مليء بالقروح وليس له غير الطبيب الماهر المجرب الذي شاهد وراقب وعرف وذاق تجارب الدولة الناجحة. يبدو أننا فضلنا اختراع العجلة من جديد ونسينا ان نظم العالم قد ترسخت و»بانت لبتها« وكيفية بناء كل الديكتاتوريات والديمقراطيات.. والعالم قد وصل لمركبة الفضاء ونحن نحاول اختراع العجلة.. والدنيا كلها تسير في معالم واضحة لإرساء نظام.. ونحن تتنزل علينا التطمينات بمولد وبعث جديد لمصر واستحالة عودة نظام مبارك.. وكأن مبارك شخص ونعلم جميعا ان النظم علي استعداد لتقديم مليون مبارك..! مبارك ليس فردا.. مبارك نظام.. يحيا مع الجهل السياسي وفكر التطمينات.. بهذا الفكر لا أظن اننا سوف ننجز نظاما ديمقراطيا يلبي طموحاتنا.. وابشر ياطويل العُمر نحن نعيد إنتاج النظام..!