الحق سبحانه وتعالي يريد طهارة الإنسان، فكل نسل يجب أن يكون محسوبا علي من استمتع، وبعد الاستمتاع، عليه أن يتحمل التبعة، فلا يصح لمسلم أن يستمتع ويتحمل سواه تبعة ذلك، فالمسلم يأخذ كل أمر بحقه. بعض الرخص التي يرخص الله لعباده في التكاليف، رخصة تأتي مع التشريع ورخصة تخفيفية تأتي بعد أن يجئ التشريع، لينبه الحق أنه لو لم يفعل ذلك لتعرضه للخيانة والحرج »عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ» وانظر الشجاعة في أن عمر »رضي الله عنه»، يذهب إلي النبي ويقول له: أنا يا رسول الله ذهبت كما يذهب الشاب، والذي جاع أيضا يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: انه جاع وجاء التشريع ليناسب كل المواقف، فنمسك نهارا عن شهوتي البطن والفرج وليلا أحل الله لنا شهوتي البطن والفرج، وهذا التخفيف إنما جاء بعد وقوع الاختيان ليدلنا علي رحمة الله في أنه قدر ظرف الإنسان، »أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَائِكُمْ» و»الرفث» هو الاستمتاع بالمرأة، سواء كان مقدمات أو جماعا »هن لباس لكم وأنتم لباس لهن». والحق سبحانه وتعالي يريد أن يعطينا عملية التحام الرجل والمرأة بكلمة الله، و»اللباس» هو الذي يوضع علي الجسم للستر، فكأن المرأة لباس للرجل، والرجل لباس للمرأة، واللباس أول مدلولاته ستر العورة، فكأن الرجل لباس للمرأة أي ستر عورتها، والمرأة تستر عورته، فكأنها عملية تبادلية، فهذا يحدث في الواقع فهما يلتفان في ثوب واحد، ولذلك يقول: »باشروهن» إذن فالحق سبحانه وتعالي يريد ان يعلمنا أن المرأة لباس ساتر للرجل والرجل لباس ساتر للمرأة، ويريد الحق سبحانه وتعالي أن يظل هذا اللباس سترا بحيث لا يفضح شيئا من الزوجين عند الآخرين، ولذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام يحذرنا أن يحدث بين الرجل وأهله شيء بالليل وبعد ذلك تقول به المرأة نهاراً أو يقول به الرجل، فهذا الشيء محكوم بقضية الستر المتبادل. »هُنَّ لِبَاس لَّكُم وَأَنتُم لِبَاس لَّهُنَّ» وما دام هن لباس لكم وانتم لباس لهن، فيكون من رحمة التشريع بالإنسان وقد ضم الرجل والمرأة لباس واحد وبعد ذلك نطلب منهما ان يمتنعا عن التواصل. إذن فقول: »تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ» كان مسألة حتمية طبيعية، ولذلك قال الحق بعدها: »فَتَابَ عَلَيْكُمْ» ومعني »تَابَ عَلَيْكُمْ» هو اخبار من الله بأنه تاب، وحين يخبر الله بأنه تاب، أي شرع لهم التوبة، والتوبة كما نعرف تأتي علي ثلاث مراحل: يشرع الله التوبة أولا، ثم تتوب أنت ثانيا، ثم يقبل الله التوبة ثالثا، »وَعَفَا عَنكُمْ» لأنه ما دام قد جعل هذه العملية لحكمة ابراز سمو التشريع في التختين فيكون القصد أن تقع هنا وأن يكون العفو منه سبحانه. ويقول الحق: »فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» فلم يشأ أن يترك المباشرة علي عنانها فقال: أنت في المباشرة لابد أن تتذكر ما كتبه الله، وما كتبه الله هو الاعفاف بهذا اللقاء والانجاب، فالمرأة تقصد اعفاف الرجل حتي لا تمتد عينه إلي امرأة أخري، وهو يقصد أيضا بهذه العملية أن يعفها حتي لا تنظر إلي غيره، والله يريد الاعفاف في تلك المسألة لينشأ الطفل في هذا اللقاء علي أرض صلبة من الطهر والنقاء. وحتي لا يتشكك الرجل في بضع منه هم أبناؤه، والحق سبحانه يريد طهارة الإنسان، فكل نسل يجب أن يكون محسوبا علي من استمتع وبعد الاستمتاع، عليه أن يتحمل التبعة، فلا يصح لمسلم أن يستمتع ويتحمل سواه تبعة ذلك، فالمسلم يأخذ كل أمر بحقه. »فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» أي ما كتب الله من أن الزواج للاعفاف والانجاب، وفي ذلك طهارة لكل أفراد المجتمع، ولذلك قال »صلي الله عليه وسلم»: »وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم إذا وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر». ويتابع الحق: »وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ» أي إلي أن يتضح لكم الفجر الصادق، وكان هناك علي عهد رسول الله »صلي الله عليه وسلم» أذانان للفجر، كان بلال يؤذن بليل، أي ومازال الليل موجودا، وكان ابن مكتوم يؤذن في اللحظة الأولي من الفجر، ولذلك قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم»: »فإن سمعتم أذان ابن أم مكتوم فأمسكوا».