مصر قصة نجاح في رأي الرئيس الروسي.. والتعديلات تمهد الطريق لاستكمال البناء 90 دقيقة كاملة، استغرقها لقاء أمسية الجمعة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وصديقه المقرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قصر »دياو يوو تاي» بالعاصمة الصينيةبكين. كان محددا للقاء 45 دقيقة، لكن المباحثات طالت، والمناقشات امتدت، والأجواء ساعدت علي أن يتضاعف زمن القمة بين الرئيسين، برغم أنها تتم في بلد ثالث، وبرغم أنها تأتي علي هامش قمة دولية يشارك فيها الزعيمان هي قمة منتدي الحزام والطريق للتعاون الدولي. لم يكن هذا هو اللقاء الوحيد بين السيسي وبوتين يوم أمس الأول، فقد تلاه لقاء آخر ودي، أثناء حضورهما مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الصيني شي جين بينج بقصر الحكم في قاعة الشعب الكبري بميدان »تيان إن من»، تكريما لقادة الدول المشاركين في قمة الحزام والطريق وعددهم 40 من رؤساء الدول والحكومات. في حفل العشاء تصدر الرئيس الصيني المائدة، وجلس إلي يمينه الرئيس الروسي بوتين وإلي يساره الرئيس المصري السيسي في إشارة لا تخطئها عين علي مكانة البلدين الصديقين للصين، لدي الشعب والقيادة الصينية. وبجانب الحوارات التي جمعت السيسي وصديقيه الجالسين بجواره، سنحت الظروف بلقاءات سريعة للرئيس مع رؤساء البرتغال وسويسرا وكينيا ووزير خارجية فرنسا، تطرقت إلي علاقات التعاون بين مصر وهذه الدول والملفات الإقليمية في منطقتي جنوب المتوسط والقارة الإفريقية. • لقاء الجمعة في الصين بين السيسي وبوتين، هو اللقاء العاشر بين الرجلين، وهو القمة التاسعة بين الزعيمين منذ تولي الرئيس السيسي منصبه، كان اللقاء الأول في العاصمة الروسية موسكو عام 2014، حينما كان السيسي يشغل منصب وزير الدفاع. يومها قال بوتين: »إنني أعلم أنك علي وشك اتخاذ قرار حاسم من أجل بلادك، وإنني أحييك علي شجاعتك وإخلاصك وتضحيتك في سبيل إنقاذ وطنك»، وكان الرئيس الروسي يقصد قرار السيسي المرتقب حينئذ بالاستجابة لنداء الشعب والترشح لرئاسة الجمهورية. علي مدي خمس سنوات إذن التقي الرئيسان عشر مرات، 5 لقاءات في روسيا، ولقاءان في القاهرة، و3 لقاءات في الصين أولها في مدينة هانغجو علي هامش قمة مجموعة العشرين في سبتمبر 2016، وثانيها في مدينة شيامن علي هامش قمة مجموعة البريكس في سبتمبر 2017، وثالثها كان لقاء أمس الأول في العاصمة الصينيةبكين علي هامش قمة منتدي الحزام والطريق. هذا هو أكبر عدد للقاءات قمة يعقدها الرئيس السيسي مع زعيم دولة أجنبية علي الإطلاق، بمعدل لقاء كل 6 شهور، بما يعكس متانة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. معروف علي نطاق واسع، عمق الصداقة التي تربط السيسي وبوتين، والتي نمت منذ لقائهما الأول، وتفاعلات الكيمياء الشخصية بين الرجلين، والتي تبدو في لقاءاتهما وحواراتهما والمودة التي تظلل حديث كل رجل عن الآخر في شتي المناسبات. هناك أيضا رابطة أخري تجمعهما هي تشابه المسار والخبرة وقوة الشخصية، وأيضا تماثل الهيئة والإيماءات وحتي الحركة! بابتسامة واسعة، وذراعين ممدودتين استقبل بوتين صديقه العزيز السيسي في قصر »دياو يوو تاي» بالعاصمة الصينية في تمام الخامسة مساء. في ختام اللقاء السابق بين الرئيسين في منتجع »سوتشي» علي ساحل البحر الأسود بروسيا في أكتوبر الماضي قال بوتين للسيسي: »كل طلبات مصر مجابة»، وشد علي يديه وهو يقول: إنني أتطلع يا صديقي العزيز إلي لقاء جديد قادم بيننا. ورد السيسي: »أتمني أن يكون هذا اللقاء علي أرض مصر» لكن الظروف شاءت أن يتم علي أرض الصين. وفي ختام لقاء أمس الأول، تصافح الرئيسان، وقال بوتين للسيسي: أتطلع إلي لقائنا في روسيا خلال القمة الأولي الروسية الإفريقية في شهر أكتوبر المقبل. ورد السيسي ملبيا هذه الدعوة بوصفه رئيس مصر قلب القارة الإفريقية، ورئيس الاتحاد الإفريقي في دورته الحالية. هذه القمة ستعقد في سوتشي أحب بقاع روسيا إلي قلب بوتين جنبا إلي جنب مع المدينة التاريخية »سان بطرسبرج» مسقط رأسه ومهوي فؤاده. في قمة أمسية الجمعة، التأمت مباحثات السيسي وبوتين في جلسة موسعة حضرها كبار معاوني الرئيس بوتين وعلي رأسهم وزير خارجيته لافروف وكذلك رئيس شركة روس أتوم المنفذة لمحطة الضبعة النووية. وشارك فيها من الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري واللواء مصطفي شريف رئيس ديوان رئيس الجمهورية واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة واللواء محسن عبدالنبي مدير مكتب رئيس الجمهورية والسفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية. دون مقدمات، دلف بوتين إلي صلب الحديث مقدما التهنئة للسيسي علي نتيجة الاستفتاء الشعبي علي التعديلات الدستورية. وقال بوتين: »إن المشاركة العريضة في الاستفتاء، وحزمة التعديلات نفسها تمهدان الطريق لاستكمال مسيرة التنمية والبناء علي أرض مصر في مناخ مستقر وآمن، تحت قيادتكم». وأضاف قائلا: »إنني سعيد جدا ياصديقي العزيز بالتعامل معك في السنوات المقبلة لصالح بلدينا، وإنني متفائل جدا بمستقبل مصر، وأري أن مصر هي قصة نجاح كبري في الشرق الأوسط بفضل قيادتكم الحكيمة، وإنني أعول علي مزيد من التعاون والتنسيق وتبادل الرؤي بيننا وبين المسئولين في بلدينا». وقال بوتين: إنني أقدرك جدا، وأنت تعرف كم أحرص علي الاستماع إلي آرائك وتقديراتك السياسية. وعقب السيسي شاكرا لبوتين عباراته الودودة وتهنئته الرقيقة، مشيدا بقوة العلاقات الاستراتيجية التي تربط مصر وروسيا ومنوها بعلاقات الصداقة التي تجمعه مع بوتين. في جوهر قضايا البحث، تبادل الزعيمان الرؤي حول أزمات الشرق الأوسط وتطوراتها. استمع بوتين بإنصات إلي تقييم السيسي للتطورات الجارية في ليبيا، وعرضه لنتائج قمة الاتحاد الإفريقي التشاورية بشأن ليبيا التي عقدت الأسبوع الماضي في قصر الاتحادية. وأوضح السيسي أن مصر تدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، انطلاقا من مساندتها للجيوش الوطنية المركزية، ورفضها للتنظيمات المسلحة والميليشيات، كتلك التي تتحكم في طرابلس. واتفق الرئيسان في الحديث عن سوريا، علي أنه لابديل عن المسار السياسي، وعرض السيسي التطورات الجارية في السودان، وما تقرر في اجتماع الاتحادية الإفريقي بشأن السودان، من تمديد للمهلة الممنوحة للمجلس العسكري الإنتقالي. وعن القضية الفلسطينية.. أشارت مباحثات الرئيسين إلي أن صفقة القرن تعبير دارج إعلاميا غير أنه ليست هناك معلومات عنها. وقال السيسي بوضوح: أيا ما كان الأمر، فإن الموقف المصري معروف من القضية الفلسطينية، وهو يقوم علي المرجعيات الدولية والثوابت وأهمها الانسحاب إلي حدود الرابع من يونيو وتنفيذ حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية. وأضاف السيسي قائلا: »مصر لن تقبل بأي شيء لا يقبله الفلسطينيون، ولن تتفاوض بالنيابة عن أحد». قضايا التعاون الثنائي بين مصر وروسيا استحوذت علي وقت طويل من المباحثات. عن عودة الطيران بين المدن الروسية وشرم الشيخ.. قال بوتين: »إن الأمن تحسن في المطارات المصرية بشهادة البعثات الفنية الروسية وآخرها في أول أبريل الحالي». وأضاف: »أن هناك مرحلة أخيرة من المفاوضات، والإجراءات المتخذة من شأنها عودة الرحلات وهي مسألة وقت». واستعرض الرئيسان الأعمال الجارية في محطة الضبعة النووية وتابعا سيرها وفقا للجدول الزمني، كما استعرضا تفاصيل المنطقة الصناعية الروسية التي سيبدأ العمل بها قريبا شرق بورسعيد وتوفر 30 ألف فرصة عمل. وفيما يخص قضية الإرهاب، ناقش الرئيسان الجهود المبذولة في هذا المجال، وأكدا أهمية تبادل المعلومات الأمنية خاصة في ظل هزيمة داعش ونزوح عناصر كثيرة من هذا التنظيم خارج سوريا إلي شمال إفريقيا. ثم جري التطرق للقضايا الإفريقية في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي.. وقال السيسي: إننا نضع أساس التعاون بين الدول الإفريقية وخطة العمل التي سنشرع في تنفيذها ليأتي من بعدنا ويواصل العمل. وأضاف: إن إفريقيا تفتقد الإندماج والربط في مجال النقل بالأخص في السكك الحديدية والطرق البرية،. وأشار إلي أهمية إنشاء طريق القاهرة - كيب تاون بين أقصي شمال القارة وأقصي جنوبها، وأكد أنه يسعي لتفعيل دمج المناطق الحرة الإفريقية الخمس الكبري لزيادة حجم التجارة البينية لدول القارة. وعلي ضوء حديث السيسي.. وجه بوتين وزراءه إلي التشاور وتبادل الزيارات مع مصر في إطار جهود البلدين لإنجاح أعمال القمة الروسية الإفريقية في أكتوبر المقبل. وبعد مضي ساعة ونصف الساعة، ودع بوتين السيسي وهو يعبر له مجددا عن تقديره الشخصي لآرائه ورؤاه، قبيل أن يلتقيا مجددا بعدها بقليل علي حفل العشاء في قاعة الشعب الكبري، ثم في لقاء آخر يجمعهما اليوم سويا، ومع باقي القادة المشاركين في قمة منتدي الحزام والطريق، علي مائدة حوار مستديرة، تعقد في منتجع بحيرة »يان تشي»، علي مسافة 70 كيلو مترا من العاصمة بكين.