بعد إصدار الإعلان الدستوري الذي حدد أسلوب اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب من بين عدد من المرشحين وبعض الأحكام الأخري. وفي أعقاب هذا الإعلان دار الحديث عن أهمية تعديل أسلوب تعيين المحافظين وبعض المناصب الأخري أيضا عن طريق الانتخاب طالما ان رئيس الجمهورية نفسه سيكون تنصيبه بالانتخاب المباشر وأن ذلك سوف يزيد من مساحة الحرية والديمقراطية للمواطنين في اختيار من يحكمهم.. ويحضرني بهذا الخصوص بحث علمي قدمته أثناء دراستي للحصول علي درجة الماجستير في الإدارة العامة عندما كنت ادرس بالولايات المتحدةالأمريكية عام 2891 وكان عن دراسة مقارنة بين الحكم المحلي في بنسلفانيا والإدارة المحلية بمصر.. وقد خلصت في هذا البحث بعدة موضوعات وملاحظات من أهمها وجود اختلاف جوهري بين الحكم المحلي والإدارة المحلية من حيث فلسفته والوظائف والاختصاصات والمسئوليات والواجبات وإعداد الموازنات المالية والنواحي التشريعية والعلاقة بين المستوي الفيدرالي للدولة ومستوي الولاية ثم مستوي الوحدات المحلية المختلفة.. ومن أهم ما يشمله ذلك ألخصه فيما يلي.. ان الحكم المحلي يعتمد علي الفصل التام بين السلطات وعدم تدخل السلطة المركزية في شئون الحكم المحلي بينما نظام الإدارة المحلية لا يملك تلك القدرة بالإضافة إلي أن لكل وحدة محلية في نظام الحكم المحلي القدرة التشريعية وإصدارها أي تشريع يعاون في حل المتطلبات والاحتياجات علي جميع مستوياتها المختلفة من الولاية أو المحافظة وحتي القرية.. كما ان الوحدة المحلية في نظام الحكم المحلي تعتبر صغيرة الحجم قدر الإمكان حيث يسهل إدارتها بينما في الإدارة المحلية بمصر نجد كثيرا من وحداتها المحلية كبيرة الحجم مما يصعب إدارتها في ظل قانون الإدارة المحلية الحالي.. يضاف إلي ذلك عدم إمكانية فرض ضرائب محلية بمعرفة الإدارات المحلية علي جميع مستوياتها بينما في نظام الحكم المحلي يمكن فرض ضرائب محلية وتختلف قيمتها من وحدة إلي أخري طبقا لظروف كل منها إذا اقتضت الظروف ذلك.. كما وجدت بعض المساوئ في نظام الحكم المحلي حيث تظهر بوضوح قوة النفوذ السياسي تجاه الوحدة المحلية يصل إلي الحد الذي يصعب العمل الإداري بينما الإدارة المحلية لا سلطان عليها من النفوذ السياسي المحلي بقدر كبير وطبقا للقانون وتستمد الوحدات المحلية سلطاتها بالتفويض المتدرج من المحافظ إلي رؤساء الوحدات المحلية الصغري. ونخلص من ذلك ان أسلوب ونظام الحكم المحلي يحتاج إلي إعداد سياسي واجتماعي وإداري وتنظيمي ومستوي تعليمي وثقافي مرتفع للمواطنين، واعتقد ان أنسب أسلوب يمكن اتباعه في مصر في الفترة القادمة إذا رؤي اتباع نظام الحكم المحلي ان يقتصر علي مستوي المحافظة فقط حتي يمكن اختيار المحافظ بالانتخاب الحر المباشر علي أن يظل نظام الإدارة المحلية للوحدات الأخري (المدينة والحي والقرية) إلي أن يرتفع المستوي الثقافي والاجتماعي للمواطنين ومحو أميتهم علي أن تنقل السلطات إليهم بالتدريج من المركز إلي المدينة والحي وإلي القرية، وقد يتطلب ذلك عدة سنوات قادمة علي أن يعاد النظر في قانون الإدارة المحلية المعمول به حاليا بإدخال تعديلات جذرية علي فحواه ونصوصه وقد قدمت المحافظات منذ سنوات بمقترحاتها لتلك التعديلات ولم تحظ بأي نتائج حتي الآن.