رغم إقامتي بالغة القصر في "دبي"، التي يُمكِن أن تُحسب بالساعات، فقد تمكنت من لقاء عدد من المثقفين البارزين من ضيوف الدولة، ومن الإماراتيين. وفي مقدمتهم الشاعر سيف المِري، الذي أهداني ثلاثة من مؤلفاته: مجموعته القصصية "بيت العنكبوت"، وديوانيه: "الأغاريد" و"العناقيد". وهو المدير العام لدار "الصدي للصحافة والنشر"، التي تنظم سنوياً أضخم مسابقة للمبدعين، من خلال مجلتها الشهرية "دبي الثقافية"، التي يرأس تحريرها، وهي تدخل اليوم العصر الرقمي، كما ذكر لي مدير تحريرها الكاتب السوري، نواف يونس، مؤكداً لي وللروائي الجزائري، واسيني الأعرج، وللشاعر التونسي، منصف المِزغني، أن المجلة وكِتابها الشهري يتاحان علي الشبكة العنكبوتية مع مطالع نوفمبر. ومن الأسماء الكبيرة في الساحة الفكرية العربية التي التقيتها في هذه المدينة الساحرة المفكر التونسي الطاهر لبيب، مدير عام المنظمة العربية للترجمة في بيروت، أصيل مدينة "سيدي بوزيد" التي أطلقت الشرارة الأولي لثورة "14 جانفي"، الذي يعتبر أحد المُعجِلين بقدوم هذا الربيع العربي، علي الرغم من إقامته الطويلة بعيداً عن التراب التونسي. دعاني صديقي الروائي والفنان التشكيلي ناصر عراق، المنسق الثقافي والإعلامي في هيئة ندوة الثقافة والعلوم، للقاء الطاهر لبيب في هذا الفضاء المنيف المشرف علي الخليج في منطقة "المَمزر" في شمال "دبي"، حيث دعي لإلقاء محاضرة عن إرهاصات الربيع العربي وتبعاته من منظورفكري. وتعد "ندوة الثقافة والعلوم" مؤسسة أهلية ذات نفع عام، وقد تم إطلاقها في "دبي" سنة 1987 علي يد كوكبة من مثقفي الإمارات ومبدعيها ولاسيما من أهل دبي، وأبرزهم الأديب محمد المُر. في البداية كانت هذه الندوة، تتخذ من شقة في إحدي البنايات الكائنة في شارع "الرقة" بوسط دبي مقراً، وقد تنوعت أنشطتها فيما بين: المحاضرة، والمعرض التشكيلي، والأمسية الشعرية، علاوة علي المجالس الأسبوعية التي تنتظم مساء كل يوم اثنين، وفيها يتبادل الحضور الآراء والأفكار حول قضايا الفكر والإبداع. ومع نمو "دبي"، واحتضانها لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة تمثل نحو 180 جنسية، ضاق مقر الندوة علي استيعاب طموحات مؤسسيها في الانطلاق بالعمل الثقافي إلي آفاق أرحب، فسارع مجلس إدارتها إلي وضع خطة طموح لإنشاء مقر مستقل لهذه المؤسسة يليق ب "دبي" وبطموح مثقفيها. ووقع الاختيار علي هذه الدوحة التي تكتنفها الأشجار علي شاطئ الخليج، ليضمها هذا المقرالدائم. وقد أسهم بعض رجال الأعمال العاشقين للأدب والثقافة في تمويل المشروع، بالإضافة إلي الدعم الذي قدمه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي. وفي عام 2008 قام الشيخ محمد بافتتاح هذا المقر الجديد، وهو أشبه بصرح معماري تمتزج فيه خطوط العمارة العربية الإسلامية بالحديثة، ويمتد ذلك إلي طرز الأبواب والنوافذ، والحرص علي أن تزدان الجدران بلوحات رائعة من فن الخط العربي ، يمكن أن تقدم لزائر هذا الفضاء التقافي فكرة عن إبداع فرسان هذا الفن في مختلف أرجاء المعمورة. وقد تكلف هذا المبني80 مليون درهم إماراتي (نحو 24 مليون دولار )، ويضم هذا الصرح مسرحاً مزوداً بأحدث أجهزة الصوت والإضاءة، يستوعب ألف مشاهد تقريباً، وكذا يحتوي المبني علي قاعتين للمحاضرات.. ويرأس مجلس إدارة هذه المؤسسة حالياً سلطان صقر السويدي، ونائبه الأديب بلال البدور، وكيل وزارة الثقافة، وهناك عدة لجان تتولي وضع خطط الموسم الثقافي، مثل اللجنة الثقافية برئاسة الدكتور عبدالخالق عبدالله، واللجنة الإعلامية ويترأسها الإعلامي علي عبيد، ولجنة خاصة بالنادي العلمي الذي يهتم بتعليم الشباب المبادئ العلمية، ويرأس النادي العلمي الدكتور عيسي بستكي. أما الدكتور سعيد حارب فيرأس لجنة الجوائز التي تمنحها المؤسسة، في حين يرأس المستشار إبراهيم بو ملحة لجنة المكتبة.