قلنا من البداية ان حكاية »ندير ولا نحكم« سوف تعرض البلاد لافدح الاخطار.. فلا يمكن أن تبدأ ثورة عهدها بالتخلي عن مسئولية الحكم والاكتفاء بادارة مرافق الدولة حتي تمر الفترة الانتقالية بسلام! وها نحن بعد هذه الشهور الصعبة والثورة لا تحكم ولا تدير، ومرافق الدولة مهددة بالتوقف، ومسئوليات الحكم في استكمال هدم النظام القديم ووضع أسس النظام الجديد القائم علي العدل والحرية لم تتحقق! حكاية »ندير ولا نحكم« قادتنا بعد ذلك إلي منطق »اننا علي مسافة واحدة من كل الاطراف«.. وهو منطق يصلح في »تحكيم« مباراة كرة، ولكنه لا يصلح مطلقا حين »تحكم« باسم الثورة!! فالثورة انحياز كامل، وعداء للقديم بفساده واستبداده وظلمه، وانتصار للجديد واحلامه في العدل والحرية والكرامة. ومن يحكم باسم الثورة لا يمكن أن يكون علي مسافة واحدة من الجميع، وهو ملزم بأن يترجم انحيازه للثورة وأهدافها الي قرارات وبرامج وقوانين تضرب الفساد وتقضي علي الظلم وتحقق مصالح الغالبية العظمي من الشعب التي طال حرمانها من حقوقها، وتحاسب القلة الفاسدة التي نهبت واستبدت، وتضرب علي يد كل من يعترض طريق الثورة وهي تبني دولة الديمقراطية والعدالة والحقوق المتساوية لكل المواطنين. »ندير ولا نحكم« تضعنا الآن أمام المجهول، وأمام ارتباك في الحكم وفي الإدارة معا.. في »الحكم« ندخل انتخابات نرجو أن تتم علي خير ونعلم انها ستجيء ببرلمان ليس هو برلمان الثورة! ولا نعرف - بعد هذه الشهور - شكل الدولة ولا نظام الحكم ولا الدستور الذي سيحدد ملامح المستقبل!! وفي »الإدارة« تواجه كل المرافق الأساسية خطر الفوضي.. المحاكم مغلقة، والأزمة بين القضاة والمحامين وصلت لاطلاق الرصاص! والأمن رهينة بين رجال شرطة يحاصرون الداخلية، وبلطجية يحاصرون المواطنين ويقتحمون المستشفيات ويغتصبون المساكن! وعمال التليفونات يهددون بتعطيلها، وعمال النقل العام في فترة راحة بين اضرابين، وكذلك المدرسون والأطباء. أين الحكومة من كل ذلك؟! يبدو أنها لم تكتشف حتي الآن أنها لا يمكن أن »تدير« دون أن »تحكم«!! ومع ذلك فهي -والحمد لله - تطمئن الجميع أنها مازالت علي مسافة واحدة من جميع الاطراف.. فاطمئنوا، وطمنونا!!