ما نواجهه ليس فقط انفلاتا أمنيا يمكن محاصرته بالحلول الأمنية المعتادة، ولكننا نواجه حصيلة شهور من الفشل والارتباك في ادارة المرحلة الانتقالية، ونواجه اخطارا حقيقية لا تهدد فقط مسيرة الثورة.. بل تهدد الدولة ومؤسساتها! المرحلة الانتقالية هي اخطر المراحل في تاريخ كل ثورة، والمهام فيها صعبة والظروف معقدة، والحرب فيها علي جبهتين: الاولي هي استكمال تصفية النظام السابق، والاخري هي وضع أسس النظام الجديد وخطوات بناء هذا النظام الذي يحقق أهداف الثورة. هكذا كان المطلوب ألا نترك للقوي المعادية للثورة أي فرصة لالتقاط الانفاس، وان تتوالي الضربات لتجريدها من كل عناصر قوتها. ان تتم عملية تطهير واسعة تتخلص بها من كل العناصر الفاسدة في الاعلام والقضاء والشرطة والجهاز الحكومي والمحليات، وان تتم السيطرة علي مفاتيح الاقتصاد من بنوك وشركات وان يتم عزل القيادات السياسية الفاسدة. وفي نفس الوقت كان من المفترض ان يتواصل الحوار بين قوي الثورة، لوضع التصور للمرحلة القادمة والطريق لبناء الدولة الحديثة التي نسعي إليها، لنصل معا الي وثيقة يلتزم بها الجميع ودستور يجسد دولة المواطنة ويضمن الحريات ويكفل حقوق المواطن وكرامته. لكننا - للاسف الشديد - لم نحقق شيئا يذكر من ذلك حتي الآن!! وما كان يمكن ان نحقق ما نرجوه إلا بحكومة ثورة وليس بحكومة تسيير أعمال وبسلطة تحكم وتحسم وتقرر ولا تكتفي بالقول إنها »تدير ولا تحكم«!! والنتيجة هي ما نراه.. لم نستطع حتي ضبط الأمن، وعادت الفلول تبرطع علي هواها، وخرجت خفافيش الظلام من جحورها تنشر الارهاب، وتبعثرت قوي الثورة، واستباحت قوي خارجية ساحتنا الداخلية بالتمويل والتآمر، ومحاولات الوقيعة بين الجيش والشعب لا تتوقف، والصراعات تتفاقم بينما السلطة الحاكمة للمرحلة الانتقالية تقول إنها علي مسافة واحدة من كل الاطراف! وهنا لابد من وقفة أساسية.. فمن يحكم باسم الثورة لا يمكن أن يكون علي الحياد. انه منحاز للثورة ومبادئها. وهو مطالب بانجاز مهمته في التصفية الكاملة لاركان النظام السابق، ولوضع أسس الدولة الجديدة وضمان الديمقراطية والعدالة وحقوق المواطنة فيها. المرحلة الانتقالية يجب أن تنتهي بالثورة وهي تحكم وبأهدافها في العدل والحرية والدولة المدنية القوية الحديثة وهي تتحقق.. فهل ما نراه أمامنا الآن يشير الي اننا نسير علي هذا الطريق؟!