الصورة في الخارج لما يحدث في مصر تبدو اكثر وضوحا من الصورة من الداخل لانها تكون اكثر اتساعا في الرؤية وشاملة لكل الابعاد.. وهكذا كانت الصورة عندما سافرت في رحلة سريعة إلي باريس.. وتابعت خلالها انطباعات الجالية المصرية هناك، ولاحظت انهم مشغولون بهموم الوطن ومتابعون لما يحدث من تطورات اكثر مما لو كانوا في الداخل.. ولذا كان اهتمامهم ينصب علي الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية القادمة التي يتحدد فيها مصير الوطن والدولة المدنية الحديثة.. وهم يتساءلون: لماذا لا يكون لنا الحق في الادلاء بأصواتنا، ولو في اختيار الرئيس القادم للبلاد طالما انه لا توجد الآلية بالتكنولوجيا المتقدمة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية؟ وعندهم الحق في هذا المطلب الذي يعني حق المواطنة للمغتربين المصريين ايا كانت اماكنهم واعمالهم لانهم يحملون الجنسية المصرية وجواز السفر المصري ويرتبطون بأهلهم وذويهم في الوطن.. ويشاركون بتحويل مدخراتهم بمليارات الدولارات إلي مصر. والواقع ان نظام الانتخابات قد اغفل حقوق الجاليات المصرية في الخارج، وهم ثمانية ملايين، ولابد من اعادة النظر لتصحيح هذا الوضع، وبما يقتضي ضرورة اتاحة الفرصة للادلاء باصواتهم ومشاركتهم ولو في الانتخابات الرئاسية، خصوصا وانهم يمثلون شريحة واعية وفاهمة بحكم اقامتهم في الدول المتقدمة وانفتاحهم علي تطبيق الديمقراطية.. واتصور انه يمكن اعداد لجان انتخابية في السفارات المصرية - وكذا القنصليات - في الولاياتالمتحدة والدول الاوروبية والعربية وبحيث يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية بجوازات السفر ويمكن حصرهم من خلال سجلات السفارات، وقد تكون هناك عقبة في عدم تسجيل الشباب المهاجرين لأنفسهم، ولكن يمكن الاستعانة بالاتحادات والجمعيات الموجودة هناك. ويتمنون علي المشير طنطاوي ممارسة حقهم الانتخابي. ان المصريين المقيمين في فرنسا يعدون بالآلاف - وكذا الحال في المانيا وبريطانيا - ومعظمهم من الشباب الذين هاجروا للبحث عن فرص العمل وقد سبقهم آخرون علي مدي سنوات وتحملوا متاعب الغربة ومطاردة الشرطة الفرنسية للهجرة غير الشرعية، واستطاع العديد ان يحققوا نجاحا في مجالات مختلفة ومنهم: رجال اعمال واصحاب شركات ومكاتب مقاولات ولهم علاقات جيدة مع السلطات الفرنسية وكونوا اتحادات تساعد الشباب المهاجرين علي توفير فرص العمل والحصول علي الاقامة والسكن، وحل مشاكلهم مع الشرطة وتقنين اوضاعهم! حسب ما سمعت من عادل شلبي الامين العام لجمعية رجال الاعمال المصريين: إننا نعرف انها عملية صعبة ومعقدة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية لما تحتاجه من آليات حديثة، ولكن يمكن اقتصار الامر علي الانتخابات الرئاسية من خلال لجان في السفارات وبذلك يتم تسهيل عملية التصويت لمن يريد الحضور من اي مكان والمشاركة في اختيار الرئيس المنتخب وممارسة حقوقه السياسية، ويمكن لنشطاء في الجمعيات والاتحادات القيام بدور فاعل في تنظيم العملية للجاليات المصرية، ومازال الوقت متاحا لكي يتمكنوا من المشاركة الايجابية بمقتضي الدستور.. وقد يقال: كيف يمكن توفير عدد القضاة اللازمين للاشراف علي تلك العملية الانتخابية خارج الحدود؟ والامر لا يحتاج إلي اكثر من قاض في اللجنة الخاصة بكل سفارة! وهو عدد محدد بالقياس إلي آلاف القضاة الذين يشرفون علي الانتخابات البرلمانية ودوائرها ولجانها المنتشرة في ارجاء مصر.. ولذلك اتمني علي المشير طنطاوي ان يدرس هذا المطلب باعتباره حقا اصيلا للمغتربين المصريين - وهم قرابة ثمانية ملايين - وامكانية تحقيقه فإنهم حريصون علي الانتماء لوطنهم والمشاركة في المسئولية كما يقومون بتحويل مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد المصري! ان المصريين المغتربين في فرنسا يشعرون بالفخر لنجاح ثورتهم علي هذا النحو المتحضر.. ويقارنون ذلك بما حدث في ليبيا من معارك دموية وراح ضحيتها قرابة 05 ألف قتيل حتي سقط حكم القذافي وايضا بما يحدث في سوريا لقمع الثورة ضد بشار الاسد وحكم البعث العلوي واشتراك الجيش السوري في ضرب المدن وسقوط الآلاف من المتظاهرين.. وايضا بالمقارنة مع ما يحدث في اليمن ضد القمع وبما يهدد بحرب أهلية.. وقد شعرت بمدي اهتمام الجاليات العربية في باريس بثورة 52 يناير ومتابعتهم لخطواتها، وما يثير اعجابهم هو مدي التحضر الذي حدث من المصريين وموقف القوات المسلحة الوطني بالانحياز للثورة ولذا كانت ثورة »سلمية.. سلمية« ونموذجا يحتذي لكل الشعوب العربية.. وقال لي الجزائريون: ان مصر تقدم القدوة في ربيع الثورات العربية.. فانه لم تطلق رصاصة من الجيش وكان مشهدا تاريخيا عندما احاطت الدبابات والمصفحات بالثوار والشعب في ميدان التحرير لحمايته! ولمست فرحة التوانسة في باريس باجراء اول انتخابات الربيع العربي بعد تسعة شهور من ازاحة زين العابدين بن علي وقالوا انهم يتنفسون نسيم الانتخابات الحرة للمجلس التأسيسي لوضع الدستور بعد اكثر من عشرين عاما من القمع والحكم البوليسي.. وان مصر وتونس تمثلان الربيع العربي بحق لان الشعبين كان لهما السبق في الثورة السلمية التي ترفض العنف! ولا أبالغ اذا قلت: أن العيون في فرنسا - وخاصة السياسيين والمثقفين - تراقب الانتخابات البرلمانية في مصر لانها تعتبر اول انتخابات حرة غير مزورة علي مدي ثلاثين عاما، وسوف تفرز برلمانا يعبر عن مشيئة الشعب المصري بعد ثورته!