تعرضت حرب الاستنزاف لموجة من انتقادات بعض المغرضين المنافقين الذين تصوروا أنه بالتقليل من شأنها يسحبون من عبدالناصر دوره الهائل فيها، ليقصروا نصر أكتوبر علي السادات وحده، وكأن الجيش ولد ونشأ معه فقط؟! .. فعلوا ذلك أولئك المغرضون بالرغم من أن السادات الذي حاولوا نفاقه سبق أن أشاد هو نفسه بما حققته تلك الحرب من نتائج بالغة الأهمية. وأذكر أن من بين أولئك المغرضين كاتب »وصفوه بأنه مؤرخ« أهال التراب علي هذه الحرب، واعتبرها هزيمة ثانية بعد النكسة، صحيح أن ذلك الكاتب كان معروفا بتقلب مواقفه وافتقاده للموضوعية إلا أنه شجع فيما يبدو آخرين من أمثاله علي الانطلاق في التهوين من شأنها متجاهلين بجرأة غريبة مريبة ما شهدته من عمليات بطولية لرجال قواتنا المسلحة الذين وجهوا صفعات لإسرائيل بدءا من »معركة رأس العش«، والكمائن التي أعدها أبطالنا لتدير مدرعاتها وأسر أفراد من جنودها وضباطها، وتولي الدفاع الجوي إسقاط العشرات من طائراتها كما حدث في يوم »السبت الحزين« كما أسمته صحافتها، وهكذا اتيحت الفرصة لاستكمال قواتنا المسلحة لتدريباتها والاعداد للمواجهة الشاملة، كما تم كسر الحاجز النفسي الذي خلقته الدعاية الصهيونية والغربية بعد »النكسة« التي وصفوها »بحرب الأيام الستة« إشارة إلي هزيمتنا في ستة أيام فقط بالرغم من أن أخطاء فاقعة من قيادتنا العسكرية وقتذاك هي السبب فيما حدث. ونظرا لضراوة وحقارة تلك الانتقادات لحرب الاستنزاف من أولئك المغرضين اخترت عنوانا لكتابي الأول عن حرب أكتوبر اسم »اليوم السابع« لأبرز أن حرب الأيام الستة الإسرائيلية لم تكن نهاية الصراع وأن »اليوم السابع« قادم لا محالة باستثمار ما تحقق في حرب الاستنزاف، وقد ظهر فعلا في أكتوبر المجيد من عام 3791 بالعبور العظيم وتحطيم أسطورة جيش إسرائيل الذي قالوا إنه لا يقهر!! وقد أسعدني ما ذكره »المشير حسين طنطاوي القائد العام ورئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة« حيث قال: إن حرب الاستنزاف أعطت الفرصة لقواتنا لإعادة بناء نفسها بعد نكسة يونية 76، وكان تأثيرها كبيرا فرفعت الروح المعنوية للشعب والجيش، وشهدت إعادة بناء قوات الدفاع الجوي، وبناء حائط الصواريخ علي طول قناة السويس مما ساعد القوات المسلحة في التدفق في عمق سيناء خلال حرب أكتوبر. ثم ألقي المشير في وجه من حاولوا التهوين من حرب الاستنزاف بعبارة بليغة حاسمة قائلا: »لولا حرب استنزاف ما كانت حرب 37«.. هكذا أنصف المشير طنطاوي تلك الحرب، وألقم منتقديها حجرا. قلبي مع نبيل العربي!! كنت أول من ناشد الرئيس السوري »الوريث!« بشار الأسد أن يسارع إلي استيعاب مفهوم ثورات الربيع العربي، فيتعامل مع المتظاهرين من أبناء شعبه بأسلوب مختلف، ويستجيب للمطالب المشروعة، لكنه للأسف الشديد اندفع في نفس الطريق الخطير الذي سلكه معمر القذافي فدمر نفسه ودمر بلده، وسلكه علي عبدالله صالح فحرق نفسه، وأشعل مزيدا من الثورة ضده!! ناشدت الأسد، لكنه خذلني وخذل كل من أراد لسوريا مصيرا أفضل ويبدو أنه خذل أيضا » نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية« الذي بذل جهدا مضاعفا آملا أن يعيد بشار إلي الطريق الصحيح، لكن العناد والرضوخ لإغراءات حزبه ومساعديه، وضع الجامعة في موقف حرج، بل إنها تعرضت لأكثر من الحرج حيث انهالت عليها الاحتجاجات والانتقادات العنيفة من بشار ورجاله، ثم من المعارضة التي انتظرت موقفا حاسما ليس أقل من تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية. وينسي الجميع أن جامعتنا هذه ظلت أسيرة لمفهوم خاطيء لسنوات وعقود كثيرة وهي انها تمثل الأنظمة الحاكمة وليست الشعوب وعندما خرجت عن النص، ودعمت المعارضة الليبية نالها ما نالها من الرافضين، ومع ذلك طالبت المعارضة السورية بنفس الموقف الذي لا يحظي الآن باجماع أعضاء الجامعة. وكانت النتيجة ومازالت هي توجيه سهام النقد للأمين العام خاصة أن الكثيرين علقوا عليه آمالا عظاما لما هو معروف عنه من التزام بالمباديء، وحرص علي تبني كل ما يرفع من شأن الأمة العربية التي تعيش الآن ربيع ثوراتها الشعبية.