بدأت هذه المقالة بسؤال: هل بتنا علي مقربة من الحكم بفشل ثورة يناير؟ وبعد أن أخذت في الإجابة وجدت في بريدي الإلكتروني رسالة من الصديقة العزيزة المهندسة أسماء الحلوجي، وهي واحدة من مؤسسي "جمعية محبي الأشجار" في المعادي، وناشطة متميزة في المجتمع المدني. أرفقت بالرسالة رابطا علي موقع "يوتيوب" الإلكتروني به تسجيل لأغنية جديدة للفنان الشعبي المخضرم أحمد عدوية عنوانها "الغايب مالوش نايب". بعد أن استمعت للأغنية قررت أن أغير مسار مقال اليوم لأبدأ بها. ذلك لأن هذه الأغنية منحتني أملا في إمكانية نجاح ثورة يناير في تحقيق أهدافها. فالأغنية عن الانتخابات البرلمانية التي بدأ المرشحون تسجيل أنفسهم فيها. إن خلت هذه الانتخابات من التزوير الذي اعتدنا عليه طوال الثلاثين عاما الماضية علي الأقل، وإن أسفرت عن تشكيل جديد لمجلسي الشعب والشوري، يخلو من أعضاء الحزب الوطني السابق، وبخاصة المزمنين منهم، وبالأخص من أتوا بالتزوير. وإن ضمنت هذه الانتخابات تعبيرا حقيقيا عن القوي الديموقراطية والشخصيات الشريفة المخلصة في هذا الوطن. إن صح ذلك سيكون هدف من أهم أهداف ثورة يناير قد تحقق، وسيتلوه بالطبع انتخابات رئاسية نزيهة إن أسفرت بدورها عن فوز شخصية قوية واعية وطنية مخلصة وأمينة، تكون ثورة يناير قد تجاوزت النجاح إلي تحقيق معجزة وهي وصول أول رئيس جمهورية مدني لسدة الحكم في تاريخ مصر كله وليس الحديث فقط. إذن دعونا نأمل. إلا أن هذا الأمل لن يتحقق بمجرد الأمل. وإنما بعمل دءوب متكامل يشارك فيه كل الشرفاء في هذا البلد بفاعلية وبلا تردد أو كلل. هدف هذا العمل هو تمهيد الطريق لتحقيق الأمل. أو توفير الظروف الموضوعية لتحقيقه. من هذه الظروف نشر الوعي الصحيح في المجتمع. أغنية أحمد عدوية التي وصلتني هي خطوة أولي في هذا الطريق. وبخاصة أن من أنتجت هذه الأغنية، وأطلقتها عبر الإنترنت، فيما بدا لي مجموعة من نشطاء المجتمع المدني غير معروفة، اسمها "مبادرة صحوة مصرية". حاولت معرفة المزيد عنها فوصلت إلي صفحة علي الفيس بوك أسستها "نادين علي عزمي". وهذا كل ما عرفت. ولم تنشر المجموعة اسم مؤلف الأغنية ولا ملحنها، وعليها أن تفعل لكي نحييهما. يجب أن نعرف كل من وقف وراء هذا العمل الجميل ليكونوا جميعا قدوة. فهم كما قالوا "مبادرة"، ولابد أن تينع مثل هذه المبادرات وفي الوقت المناسب لتعظيم الفائدة. لحن الأغنية بسيط، يعتمد علي الإيقاع أساسا، وأعتقد أنه تم تسجيلها بلا فرقة موسيقية أصلا؛ اعتمادا علي "الكي بورد" الكهربائي، أو ربما بعدد قليل جدا من العازفين. ولحن الأغنية البسيط يتناغم مع كلماتها الهادفة والبسيطة. ومن الواضح أن الهدف من الأغنية هو الوصول إلي كل الناس، وبخاصة البسطاء منهم. هؤلاء البسطاء الذين يكونون القاعدة الانتخابية العريضة للانتخابات التشريعية في مصر عبر تاريخها. فهم الذين يتمكن المرشحون من حشدهم في أتوبيسات، أو "التربيط" معهم بأشكال مختلفة. فغيرهم في العادة لديهم الوعي الكافي أو المصلحة للوقوف مع مرشحيهم. من مميزات هذا التسجيل أن الصورة لا تنفصل عن الصوت. بل كل منهما يوضح الآخر. لذا من المهم أن نعرف أيضا من أخرج هذه الأغنية. في البداية نري صورة لأوان شعبية من سعف النخيل الشائع في الصعيد، ومعها نسمع إيقاعا جنوبيا أيضا. ثم تظهر لوحة مكتوب عليها:" من دلوقتي هعرف حقي. الحرية. رأيك هاحترمه بس ما تفرضهوش عليا". فمن كتب هذه الكلمات أيضا؟؟ بعدها تظهر صور لمحلات الحرف الفنية في خان الخليلي، ومعها ينطلق صوت عدوية مغنيا ببساطة مؤثرة مع تتابع الصور الفوتوغرافية المعبرة عن كلماته: ( انسي انتخابات زمان.. دا المجلس مش تكية. التصويت يا جدعان محتاج لمفهومية. وما تديش الأمان سيبك م الإكرامية. مين باع ضميره خان معني الديموقراطية. ها روح أختار لي نايب ما بيخدمش النسايب. يا خد بيدي خير البلد دي. حقي مش مال وسايب. عايزين نايب جديد مالوش في البلطجية. بيقول كلام مفيد ونبقي البلد اللي هية. واللي ما لوش صوت أكيد دا مهوش م المصراوية. ها روح أختار لي نايب ناسه هما الحبايب. يا خد بيدي خير البلد دي ينوبني منه جانب). وتنتهي الأغنية بصورة فتاة محجبة تحمل فوق رأسها المصحف، وتقبل صليبا في يدها. ثم علم مصر.هل هناك أبسط وأروع من هذا التعبير الصوتي المرئي الفني الرقيق الجميل؟؟ في خلفية الأغنية تتري صور فوتوغرافية مناسبة للكلمات من وقائع ثورة يناير مثل موقعة الجمل وصور الشهداء وغيرهما. بما يعني أنها أول أغنية حقيقية لهذه الثورة التي لم تجد في بداياتها غير أغاني عبد الحليم حافظ القديمة. وهاهو أحمد عدوية يدخل المجد، وكان اختياره موفقا كصوت شعبي محبوب. وكما بدأت الثورة في إنتاج فنها، فالأمل معقود أن تنتج شعبها ومستقبلها. المطلوب الآن أن تبث هذه الأغنية علي كل قنوات التليفزيون العامة والخاصة في مصر. وتكريم كل من شارك فيها قدوة للمصريين الأصلاء البسطاء أبناء ثورة يناير 2011.