تسألون ومن هو الندل الحقيقي في ذلك الفيلم هل هو المنتج.. الممثل.. المؤلف.. المخرج؟.. كلا.. ولكن كل من يحاول مشاهدة ذلك الفيلم! عندما يمضي بنا قطار العمر، تأتي لحظات ونسترجع المحطات التي مر عليها، كم راكبًا ظل في قلوبنا ولم يغادرها بإرادته، كم دقة دقها فرحًا أو حزنًا أو كمدًا، ما عدد الطعنات التي تلقتها وخاصة من أحبابنا، ونأسف علي محطات توقفنا فيها، وأخري أخطأنا عندما وقفنا علي رصيفها، نتذكر أيام البراءة في طفولتنا المؤكد أنها كانت أجمل المحطات، ويظهر لنا دائما في كل المحطات شبح »الندل»، وكما غني لنا حمادة الأسمر في الموال »كل الكلام اتقال في عشرة الأندال»، ولكن يبقي دائما وفي كل الأجيال ما قاله جدنا يكرره الأب والحفيد، وحكايات ومواقف الأندال لم تتوقف منذ بدء الحياة، ومنها حفر الأجداد الأمثال، وأشهرها بالطبع »عتاب الندل اجتنابه»، وكذلك »الغدر لما حكم، صبح الأمان بقشيش.. والندل لما احتكم يقدر ولا يعفيش»، أو كما قال الشاعر ابن حازم، أو ابن بسام ربنا يكرمه ويرحمه في الكتاب التراثي »بهجة المجالس وأنس المجالس» لابن عبد البر: »والنذل نذلٌ وإن تكني.. وصار ذا ثروةٍ وشان.. فاسترزق الله واستعنه... فإنه خير مستعان»، وبالطبع لم يترك المصريون بخفة دمهم هؤلاء »الأنذال»، فألفوا عليهم النكات، ومما أتذكره منها أن واحدا منهم قال لأولاده وهو في غرفة الإنعاش: وصيتي لكم تكونوا أنذل مني.. فرفعوا عنه الأكسجين، وتبقي الإشارة لنقطتين، أولاها أن الندالة طبع، وإذا اختفي فحتما سيعود، ومن تلك الحقيقة أبدع لنا ثلاثي أضواء المسرح الاسكتش الخطير »عودة الندل»، فهو وكما أكد لنا الأجداد »زي البقعة لا بيطلع برابسو ولا بأومو»، والاسكتش يدور حول فيلم »عودة الندل» من إنتاج شركة الكتكوت المفترس، والجميل هو تلك الرسالة التي ينقلها لنا في نهايته النجم الراحل الضيف أحمد وهو يقول: »تسألون ومن هو الندل الحقيقي في ذلك الفيلم هل هو المنتج.. الممثل.. المؤلف.. المخرج.. كلا.. ولكن كل من يحاول مشاهدة ذلك الفيلم».. وربنا يحفظنا من هؤلاء فقد كانوا لا يستحقوننا فأبعدهم الله عنا! الهدية.. والكلب! الجمعة: أنا من هواة التجول في الأسواق والمولات بجميع أنواعها، أعشق متابعة أحدث وأغلي تصميمات المجوهرات التي ربما لا يرقي راتبي في سنة كاملة لثمن قطعة منها، تجذبني التشكيلات الجديدة من الأكواب الكريستال، وبنفس الدرجة أعشق متابعة الأسماك، ويكون هو وجهتي الأولي عندما أذهب للإسكندرية في المنشية والأنفوشي، وفي الجولات تحدث حوارات ومحاورات بعضها شخصي، وكنت أبحث عن هدية، وتقريبا لم أجد الهدية بالمواصفات التي أريدها، وخلف فاترينة أحد المحلات، كان ذلك الحوار الذي اندهشت له بين سيدتين تحكي إحداهما ما حدث لابنها في زيجته من عراقيل ومشاكل، وكانت نصيحة السيدة الأخري لها تحمل عبارات: »يرجعوا كل قشاية وكل هدية خدوها وخدوها أحسن من عينهم»، وترد الأخري: »حر ونار في جتتهم»، وبطبيعتي الخاصة فأنا من الذين يعرفون قيمة الهدية مهما كانت صغيرة، وأعرف جيدا معني كلمة الهدية، فلم تخرج عبارة »النبي قبل الهدية» من فراغ، فهو قد نصحنا بقوله »تهادوا تحابوا»، والهدية لها حدودها وضوابطها وأدبها في كل الأحوال ولا يمكن التطرق لها في وقت الخصام ولا المعايرة بها بين الناس، وفوجئت باحداهن تسألني: مش دي الأصول؟ وبالفعل لم يكن ذلك من الأصول، وخاصة أن الفراق يكون دائما بإحسان وليس ب »وطيان»، فقد تعود المياه لمجاريها وسيعكرها في كل يوم بعدها مثل ذلك الموقف الغبي، ولم تقتنع السيدة إلا عندما تكلمت في الشرع والدين وذكرت لها حديث الرسول عن عدم جواز استرداد الهدية، وقال فيه ما معناه أن الذي يعود في الهدية مثله مثل الكلب يأكل حتي يشبع ثم يتقيأ ثم يعود ليأكل ما تقيأه من بطنه، وعندها صمتت السيدتان وقالت واحدة منهما باستنكار »زي الكلب ؟» ورددت عليها: »نعم هو في تلك الحالة مثل ذلك الكلب».. ثم انصرفت !! بيوت برائحة البارود ! الأحد: تزامن موعد نزولي من البيت مع جرس المِرواح في المدرسة التي أمامنا، معظم الواقفين من الأمهات، تنتظر كل واحدة ابنها أو ابنتها وتأخذه في يدها وتركب به سيارتها، لفت نظري سيارة وفي داخلها ولد وبنت بزي المدرسة والأب والأم واقفان يتحدثان أمام بابها الخلفي، ثم تحرك الأب إلي مقعده لقيادة السيارة، وما لفت نظري في ذلك المشهد هو تلك النظرة النارية التي ضربتها الأم ولاحقت بها زوجها، نظرة تحمل أطنانا من الكراهية يحملها الهواء الخفيف الذي يجمع بينهما، استمرت الضربة البصرية لنصف الدقيقة، بينما البنت تتوجه بنظرها للأم والولد يتوجه إلي والده، وصدق من وصف الكراهية بأنها نار حارقة، لدرجة أنها لوثت هواء كل الدائرة التي جمعتني بهم، ووصلني ذلك الشعور السلبي الكئيب، ولا أدري ماذا تخفي البيوت، ولا ما تحويه النفوس، ولا عدد البيوت التي يتم فيها تسديد مثل تلك النظرات الحارقة التي تنطلق من القلوب، وبدلا من أن يجمع بين الزوجين السكن والمودة والرحمة، يفرق بينهما الكره ويسكت بينهما الكلام ويتحول الصمت إلي رائحة تشبه البارود، وما أعرفه أن الكراهية لا تخلق إلا الكراهية، وأن الحب لا ينتج عنه سوي الحب، وأن الصمت قد أصبح بديلا للرباط المقدس الرباني الذي مع بينهما، والكراهية جعلت الاثنين أو أحدهما يتمني لو صرخ بعلو صوته: أكرهك، رغم أن بيد الاثنين كسر تلك الأسوار وردم بحيرة الكراهية التي غرقا فيها لو انتبه إحداهما وكلاهما إلي كسر حاجز الصمت والبدء في المصارحة، كنت أتمني لو قلت لتلك الزوجة: لا تستسلمي لتلك المشاعر واستبدليها بالحب، اعلنيه وحاربي من أجله ولن تكون النتيجة سيئة، كنت أتمني لو قلت للزوج »يا أخي حس»، وبادر وحافظ علي الأمانة التي بين يديك، فهذه هي الرجولة أن تشعر بها وتسعدها، ويا صديقي لو كنت ذلك الرجل أو تلك المرأة أرجوك خد بالك فهي سكن ومودة ورحمة وليست »عيشة والسلام»! المفتاح السماوي للسعادة ! الثلاثاء: لازلت أجاهد للجلوس تحت تلك الشجرة، أحارب من أجل أن أستظل بها، لم أسامح نفسي ابتعدت عنها في مرات قليلة من حياتي أمام شخصيات كثيرة حولنا قد قلعوا هذه الشجرة من حياتنا، أتحدث عن »شجرة الكلمة»، التي قد تخرج طيبة فتصعد بصاحبها إلي أعلي عليين أو خبيثة تهوي به إلي أسفل سافلين، وأرجوكم انظروا حولكم.. في العمل.. في البيت.. في الشارع وفي كل مكان، وستجدون أن الكلمة الحلوة قد أصبحت استثناء والكلمة الوحشة قد طغت عليها، وربما تطلع الكلمة الطيبة من أجل المصلحة، ولا يوجد استثناء في غياب الكلمة الحلوة بين الأزواج.. بين الآباء والأبناء.. بين الجيران والأصدقاء وزملاء العمل، في التعاملات مع الباعة وكل من تجبرك الحياة اليومية علي التعامل معهم، والغريب أن الكلمة الجميلة العذبة قد تخرج لغير صاحبها الأصلي، فتجد الزوج يقولها لغير زوجته، ويضن بها الابن علي أمه وأبيه ويتوجه بها لأصحابه، كما قد يوجهها مديرك في العمل للمقصر إذا أجاد مرة، ويضن بها للمجيد دائما إذا كان من خارج الشلة، الغريب أن أحدا منا لا يعلم أن مفتاح سعادته المجانية، ونجاحه في الحياة هو الكلمة الحلوة، ولا تحتاج منا إلي مجهود أو نقود، وتفتح بها أبواب القلوب حتي المريضة المليئة بالحقد والكراهية، فسيأتي عليها يوم وتلين.. جربوا هذا المفتاح السماوي ولن تندموا، واعلموا أن الكلمة التي توارثناها عن أجدادنا »جبر الخواطر علي الله» هي ثمرة من ثمار الشجرة الطيبة بها نجبر خاطر كل مكسور، ومن ثمار الشجرة الخبيثة أن نكسره! صمت الحكومة.. »عجز» ! الخميس: حوار قصير دار بيني وبين اللواء د. راضي عبد المعطي، رئيس جهاز حماية المستهلك دار حول بعض مما كتبت، والرجل يشهد له بالكفاءة والحسم كل من عمل معه أو اقترب منه، وكان حول حملة »خليها تصدي» والمعركة التي يشهدها السوق حول أسعار السيارات، وبعد انتهاء المكالمة القصيرة التي دارت أثناء عملي في إصدار عدد الجريدة الثلاثاء الماضي، بدأت أكلم نفسي فيما يدور، فأنا أعرف جيدا أنه لا توجد تسعيرة جبرية، ولا يمكن للحكومة أن تتدخل في التسعير، ولكنها كمراقب ومنظم للسوق تملك حق التصدي للجشع وعدم الالتزام بقواعد المنافسة وعدم الاحتكار وفق القانون والمعايير الدولية، ليس فقط لتحقيق الأمن القومي الاقتصادي، وحماية حقوق المستهلك، ولكن لحفظ حق الدولة في ضرائب الأرباح التجارية والصناعية، وقد لا نتذكر القرار الذي أصدره المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء السابق في أكتوبر 2016 بتشكيل لجنة برئاسته وعضوية وزراء التنمية المحلية، والمالية، والاستثمار، والتجارة والصناعة، والتموين، وممثل الرقابة الإدارية، ورئيس جهاز حماية المستهلك، وتختص بوضع الأساليب المناسبة لتحديد هامش الربح من المنتجات والسلع الأساسية سواء المحلية أو المستوردة، مع ارتباط ذلك بنظام متطور لتسعير هذه المنتجات بالتنسيق مع اتحادي الصناعات والغرف التجارية، وكان مصير القرار التجميد بعد رفض التجار والصناع له، ولكني أطالب الحكومة بإعادة إحياء تلك اللجنة ولكن لتحديد تكاليف السلع ولتكن البداية هي السيارات، وكل المعلومات موجودة بالفعل لدي أجهزة الحكومة ولكن تحتاج إلي من يقوم بجمعها وتحليلها من أجل تحصين الاقتصاد وتحصيل حق الدولة وحماية حق المستهلك، أما الصمت فاسمحوا لي وباحترام كامل لها، أن أصفه بأنه »عجز» في غير محله ! كلام توك توك: صحيح اللي اختشوا ماتوا!! إليها: أحترمك أولا.. وأحبك ثانيا وثالثا وأخيرا