فجأة.. اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي عدة حملات اختلفت في عناوينها وأهدافها وإن اتفقت في كونها أحدثت اثارة متعمدة للرأي العام تحت دعوي المقاطعة احتجاجا علي ارتفاع الأسعار. لم يكن غريباً أن نري بين الحين والآخر حملة تطلق بهدف تحقيق مصلحة المستهلك.. لكن الغريب هذه المرة اطلاق عدة حملات متتابعة بصورة مثيرة للدهشة وتدعو للتساؤل عما إذا كانت هذه الحملات مخططة وتحركها أياد خفية بهدف تشجيع نغمة الرفض والتمرد بين فئات المجتمع المختلفة ؟ كانت البداية بحملة »خليها تصدي» لمقاطعة شراء السيارة لإجبار الوكلاء والتجار علي خفض أسعارها خاصة بعد إلغاء الجمارك كليا علي السيارات ذات المنشأ الأوروبي طبقا للاتفاقية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن وهو ما يعرف في السوق ب »زيرو جمارك».. هذه الحملة تستهدف بالتأكيد مصلحة المستهلك بعدما تجاوزت أسعار السيارات كل الحدود بسبب جشع الوكلاء والتجار غير المبرر ولهذا وجدت صدي طيباً بين الناس وتأثر السوق فعلاً ومازال مرتبكا حتي الآن والمبيعات شبه متوقفة. الصدي الطيب لهذه الحملة شجع آخرين علي إطلاق حملة »خليها تعفن» لمقاطعة شراء اللحوم وهي الحملة التي بدأت في أسيوط وامتدت لمحافظات أخري وحققت حتي الآن نتائج ملموسة حيث تراجعت أسعار اللحوم في كفر الشيخ علي سبيل المثال إلي 60 جنيها وانتشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تؤكد ذلك وتبعتها حملة »خليها تحمض» لمواجهة ارتفاع أسعار الخضر والفاكهة وهي مازالت في مرحلة الاختبار. مثل هذه الحملات يمكن القول أن هدفها المصلحة العامة لكن عندما نفاجأ بحملة عنوانها »خليها تعنس» لتشجيع الشباب علي عدم الزواج لمواجهة المغالاة في الشبكة والمهر ومتطلبات الزواج.. ثم يأتي الرد علي هذه الحملة من جانب الشابات بحملة مضادة عنوانها »خليك في حضن أمك».. هنا لابد أن نتوقف لنصحح المفاهيم ونبدي النصح ونسأل الشباب الذين أطلقوا حملة »خليها تعنس» هل يقبل أي شاب منكم أن تبقي شقيقاته بدون زواج حتي ينطبق عليها فعلاً وصف »العانس» ؟ وهل ستفرح الشابات اللاتي أطلقن حملة »خليك في حضن أمك» إذا ما نجحت هذه الحملة وظل كل شاب فعلا في حضن أمه ؟ أشك في نوايا مثل هذه الحملات وأتصور أنها تهدد العلاقات الاجتماعية وتحفز روح التحدي والرفض وهو مايشكل خطراً بلا شك علي استقرار المجتمع خاصة إذا ما اتجه هذا الرفض إلي قضايا أخري غير الزواج ! ثم جاءت حملة »اركبوها انتو» لمقاطعة شركة مصر للطيران بعد تحميلها مسئولية عدم نقل جثامين المصريين الذين يموتون في الخارج إلي مصر رغم أن مصر للطيران لا يمكن تحميلها هذه المسئولية فهناك تكلفة لنقل أي جثمان ولابد أن تتحملها جهة ما.. أما تحميل الشركة الوطنية هذه المسئولية والدعوة لمقاطعتها فهذا فيه تجن علي مصر للطيران.. وهنا لابد أن نتوقف مرة أخري لننبه أن في هذه الدعوة إضراراً بالناقل الجوي الرسمي لمصر وبالاقتصاد الوطني بالتبعية.. وإذا كان القرار الأخير لوزير الطيران المدني بخفض رسوم نقل الجثامين بنسبة 50٪ خطوة نحو حل هذه المشكلة فإن هناك خطوات أخري يجب أن تتخذ أهمها التوافق بين الوزارات المعينة »الخارجية - الهجرة - الطيران المدني» علي من يتحمل التكلفة.. المهم في النهاية أن يتم نقل الجثامين مجانا مراعاة لظروف أسرهم دون أن يحمل أحد مصر للطيران المسئولية. حملة »خليها في المصنع» اعتراضا علي ارتفاع أسعار السجائر لا تقل خطورة عن حملة »اركبوها انتو» وتضر بلا شك بالاقتصاد الوطني لأن الشركة المنتجة للسجائر وهي الأكبر في الشرق الأوسط تمثل رافداً مهما من روافد الموازنة العامة بما تضخه من إيرادات ناتجة عن مبيعاتها وصادراتها وما تسدده من جمارك وضرائب حتي أنها ضخت في العام الماضي فقط 57 مليار جنيه لهذا فإن أي تراجع في اقتصادياتها يؤثر علي قدرة الموازنة العامة علي الوفاء بالأجور والمعاشات والخدمات... إلخ. أخلص من ذلك إلي أن حملات المقاطعة وإن كانت أداة ضغط لمواجهة جشع واستغلال التجار لكنها في حقيقتها سلاح ذو حدين لأنه إذا ما أسيء استخدامها لابد أن تؤثر سلباً علي الاقتصاد الوطني.. والخطورة كل الخطورة التي أحذر منها أن يكون إطلاق هذه الحملات مخططاً وموجها لتشجيع نغمة الرفض والتمرد كما أشرت.