كتبت هنا الأسبوع الماضي باكيا علي اطلال اهل بلدي اي كل (محلاوي) عندما قرأت خبر تلك الأم التي لقيت حتفها من شدة البرد.. وقلت: نزعت من قلوبهم الرحمة وزرعت مكانها القسوة، فلا ألوم أحدا قبل أن ألوم نفسي (يا حسرة علي العباد) قتلناكِ وجعلنا البرد يفترس ما تبقي من عظامك. واليوم تأكد لي أن القلوب لم تكن تقسو وتصل إلي هذه الدرجة الا لأنها انشغلت بأمور الدنيا وأصبح لا يعنيها أن تلقي جزاء ما تفعله من رب العالمين أو يرتفع رصيدها من الحسنات. بعدما تيقن لي أن البعض منهم لم يمنع عطاءه لأهله بل حارب غيره ليمنع هذا الخير وتجسدت الحرب في إبقاء مستشفي الرمد جثة هامدة لا يري النور ومكث طويلا ينتظر من يحنو عليه، سواء بالتبرع او مناشدة الدولة أن هذا المكان كان يقام عليه صرح يضيء نور عيون أهل بلدته. ولما عاد الامل وأصبح للصرح معالم تجدد النزاع مجددا بين اعضاء مجلس الشعب ورجال الأعمال وأصبح كل منهم يحاول أن ينسب الفضل لنفسه، وأخذوا يبحثون عن دور لحفر أسمائهم علي رخام التشييد. وغاب عنهم أن الناس تدرك الخير والعطاء لان اسماء أهله محفورة في قلوبهم، فليس بالرخام تخلد الأسماء فكم منها شيد ووضعت عليه اسماء ابكت قراءها لجحود وغلظة قلوب من شيدوها. وما جعلني أعتصر ألما أن اهل بلدي اصبحوا تجارا لا يعنيهم إلا الربح حتي ولو علي حساب فقرائهم. نعم ملئت الجيوب وغابت العقول عن رشدها بعد أن تحجرت قلوبهم بانواع الحجارة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من تجارتهم. رغم ذلك مازال يحدوني الامل في اهل الخير الذي يسكن قلوب محبيهم كما يسكن قلوبهم ان يعودوا ليتصدروا المشهد بقوة لإيقاف هذا التحجر الذي غلف القلوب. وان تكون المحلة اهلا للمروءة والشهامة والخير كما كانت لا تعرف اغنياءها من فقرائها فتراهم قد التحموا واصبحوا كالبنيان المرصوص.