بعد مرور ثمانية أشهر علي ثورة يناير المجيدة خطت الصحافة المصرية خطوات لا بأس بها إلي الأمام، وإن كانت في الوقت ذاته لا تزال تعاني بعض تبعات الماضي سواء علي مستوي المهنة أو حتي رجالها، وهو ما يستوجب تسريع الخطي للتخلص من هذه التبعات حتي تستعيد الصحافة مصداقيتها بشكل تام لدي عموم الشعب. هاهي أرقام مبيعات الصحف المصرية قومية وحزبية وخاصة ترتفع إلي مستويات جديدة، وهاهي الإصدارات الجديدة تتوالي ومعظمها من الإصدارات اليومية التي تحتاج إلي رأس مال اكبر والتي تتيح فرص عمل أكبر، وفي الوقت ذاته تتيح مزيدا من التنوع أمام القارئ. لم يعد إصدار الصحف بحاجة إلي موافقة أمن الدولة كما كان من قبل، وهي الموافقة التي كانت تحتاج إلي صفقات خاصة قبل نيلها، لتحديد الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء، وما أكثر طلبات التأسيس التي ظلت حبيسة الأدراج بسبب الرفض الأمني ولم يحررها سوي ثورة يناير. لم يستغل الصحفيون المصريون ظروف الاضطراب السياسي بعد الثورة ليطالبوا بحقوقهم التي حرمهم منها نظام مبارك، لم يلجئوا إلي الاعتصامات والإضرابات وهم الذين استضافوا علي سلم نقابتهم وفي قاعات نقابتهم المئات منها، لكنهم آثروا التريث حتي تستقر الأوضاع ويصبح لدينا مجلس نيابي منتخب وحكومة منتخبة ورئيس منتخب، ساعتها سنطالب بكل حقوقنا السليبة، وسنحصل عليها بشكل قانوني.. الصحافة والصحفيون هم مرآة المجتمع، التي يري التطورات من خلالها، وهم رئته التي يتنفس منها، وحتي يؤدوا عملهم في تنوير المجتمع، ورفده بالأخبار والتحقيقات والحوارات مع صناع القرار وقادة الرأي هم بحاجة إلي بيئة عمل مناسبة تمكنهم من أداء هذا الدور علي الوجه الأكمل، وأول هذه المتطلبات هو الأجر العادل، وقد لايعرف الكثيرون ان راتب الصحفي يأتي في المرتبة الثلاثين في جدول الرواتب في مصر الآن يسبقهم العديد من الفئات، وقد يسمع الكثيرون عن بعض الأرقام الفلكية التي يتقاضاها بعض الصحفيين فيتصورون أن الجميع يتقاضي هكذا رواتب، ويتغافل الكثيرون أيضا أن مصروفات الصحفي تمثل أضعاف غيره من الفئات، ألا ترون الصحفيين هم الأكثر استخداما للهواتف الأرضية والمتحركة والإنترنت وأن فواتيرهم تمثل أضعاف غيرهم؟ ألا ترون أنهم الأكثر استخداما لوسائل المواصلات العامة والخاصة وتمثل تكاليف تنقلاتهم أيضا أضعاف غيرهم، ولاننسي تكاليف المظهر والملبس والأجهزة الإلكترونية، وكل ذلك يقتضي أجرا يفي بكل هذه الالتزامات، ويحقق للصحفيين حد الكفاية الذي يعصمهم من الذلل، وإذا كان القضاء قد اصدر حكما بتحديد الحد الأدني للأجور ب 1200 جنيه فلك أن تتخيل الحد الأدني المطلوب للصحفي في ظل التزاماته السابقة. تحتاج مهنة الصحافة إلي تشريعات حديثة تواكب ثورة يناير وتستلهم روحها، تشريعات تخلو من العقوبات السالبة للحرية، ومن النصوص المقيدة لتدفق المعومات، فالمجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير لم يعد يحتمل أي قيود علي المعلومات والأخبار، ولم يعد يقبل أن تكون صحافته مجرد بوق لسلطة أيا كانت، ويأبي إلا أن تكون صحافته التي ينفق عليها دافع الضرائب هي لسان حال الشعب، تنقل أوجاعه، وتنشر أفراحه، وتنير طريقه، وتقف لحكامه بالمرصاد. يريد الشعب إذن استعادة صحافته، وعندها ستستعيد الصحافة هيبتها وكرامتها التي مرغها في التراب الحكم العسكري منذ 1952، ساعتها ستعود لكارنيه نقابة الصحفيين هيبته وتقديره لدي الحاكم والمحكوم، ساعتها ستتحول جملة " كلام جرايد" إلي معني إيجابي أي أنه سيكون كلاما مصدقا وموثقا بعد أن كانت تعني أنه كلام غير موثوق، ساعتها سيشعر أي مسئول أن أي شكوي ينشرها مواطن في صحيفة لابد أن تجد طريقها فورا إلي الحل قبل أن يحال هذا المسئول نفسه للتحقيق أو ربما الاستيداع، وسيشعر المواطن أن له سندا قويا في صحافته يلجأ إليه كلما واجهته أزمة. وحتي تستعيد الصحافة هيبتها واحترامها عليها أن تلتزم بالموضوعية في نشر الأخبار والتحقيقات، وان تعطي لكل ذي حق حقه، وان يلتزم الصحفيون بميثاق الشرف الصحفي، وان يكونوا خير معبر عن الثورة وطموحاتها، وعن البسطاء والمحرومين الذين لايجدون حيلة ولايهتدون سبيلا، يقولون للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ولا تأخذهم في الله لومة لائم، عندها سيكون الشعب هو الحامي لحمي الصحافة والرافض لأي عدوان عليها. وبما أننا في موسم انتخابي لنقابة الصحفيين، فإن هذه النقابة العفية التي استعصت علي كل محاولات التطويع من قبل، والتي كان آخرها المحاولة الفاشلة لمنع الاعتصامات والمظاهرات علي سلالمها في آخر انتخابات للنقيب قبل سنتين، ستكون دوما نصيرا ومنبرا لكل المظلومين، وستستمر منبرا للرأي والرأي الآخر، وملهما لغيرها من النقابات في التنوع والحيوية. حين كان النظام السابق يريد تمرير أحد مرشحيه لمنصب النقيب كان الصحفيون يجبرونه علي دفع ثمن غال مقابل ذلك، هذا الثمن الذي كان يأتي في شكل منح حكومية بملايين الجنيهات لتغطية بعض العجوزات وزيادة البدلات هو في الحقيقة حق مشروع مسلوب من الصحفيين، إذ أن النقابة من حقها الحصول علي نسبة معقولة من ضريبة التمغة الصحفية التي تحصلها وزارة المالية علي الإعلانات في الصحف، لكن الحكومات السابقة كانت ترفض صرف هذه النسبة المعقولة حتي تظل أيدي النقابة ممدودة، وفي العهد الجديد لن تمد النقابة يدها للتسول من أحد، بل ستناضل للحصول علي حقوقها المشروعة بالطرق القانونية، وساعتها سيحافظ الصحفيون علي كل مكتسباتهم، بل سيتمكنون من تحسين العديد من الخدمات التي تؤديها لهم نقابتهم مثل خدمة العلاج والتكافل والمعاشات والمصايف وحتي بدل التدريب إلخ. يحتاج النضال القانوني لاستعادة هيبة الصحافة وحقوق الصحفيين إلي مجلس قوي، قادر علي إدارة حوار متكافئ مع الأطراف المختلفة، وقادر علي استغلال كل ما لديه من أوراق ضغط لانتزاع الحقوق المشروعة، وأظننا سنكون قادرين خلال فترة وجيزة علي تعديل العديد من التشريعات سيئة السمعة التي خلفها لنا النظام المخلوع بفضل ما يتمتع به الصحفيون من علاقات جيدة مع النواب المحتملين في مجلسي الشعب والشوري المقبلين والذين سيأتون عبر انتخابات نزيهة وليس عبر عمليات التزوير والتزييف، وساعتها سيفرح الصحفيون بل كل المصريين.