لا تكتفي الدولة العبرية بمغامراتها العسكرية ضد من تصفهم بأعدائها العرب كحركة حماس وحزب الله، ولا باحتواء أصدقائها العرب وتوثيق علاقاتها بهم وإنما تلجأ إلي المحافل الدولية لاستصدار قرارات رادعة لأي محاولات عربية أو أوربية عبر الجماعات والأحزاب المناهضة لها لإدانتها أو تحميلها مسئولية العنف الذي تمارسه وجرائمها ضد الإنسانية. الأمر الذي يستدعي انتباها خاصاً. أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حاولت استصدار قرار يدين حركة حماس لإطلاقها الصواريخ والبالونات الحارقة ضد اسرائيل واستخدامها البنية التحتية المدنية لأغراض عسكرية ضد اسرائيل. بذلت السفيرة الأمريكية نيكي هيلي جهودا انتحارية لتمرير القرار لكنه -وعلي الرغم من خروج التصويت بأغلبية 87 صوتا مؤيدا مقابل 57 رفضوا إدانة حماس وامتناع 36 عن التصويت- لم يصدر القرار لعدم بلوغ الأغلبية الموافقة نسبة الثلثين المطلوبة لتمريره، فيما اعتبرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية ضربة موجعة لجهود كل من نتانياهو وترامپ. إسرائيل فرحت بالأغلبية التي تتحقق للمرة الأولي في هذا الشأن واعتبرت ان معظم دول العالم تؤيدها في حربها مع حماس، لكنها علي الجانب الآخر استوعبت حقيقة مهمة هي انها لم تنجح في تحريض العرب علي الفلسطينيين، فقد صوتت كافة الدول العربية ضد المشروع الإسرائيلي الأمريكي بإدانة حركة حماس دوليا، حتي أولئك الذين تعتبرهم أصدقاء لها وتوثقت علاقتها بهم مؤخراً كالبحرين والإمارات والسعودية وعُمان صوتوا ضد إدانة حماس فوق منصة دولية ومعهم بالطبع مصر والأردن والمغرب والسودان والكويت التي طالبت بأن يكون التصويت بأغلبية الثلثين وليس بالأغلبية البسيطة كما اقترحت الولاياتالمتحدة. وقد نجحت الكويت في حصد الدعم لاقتراحها. امام محفل آخر ومن علي منصة الاتحاد الأوروپي واصلت اسرائيل سياستها لابتزاز أوروپا وطالب نتانياهو دول الاتحاد بتبني تعريف معاداة السامية الذي اعتمده مؤتمر التحالف الدولي لتذكر الهولوكوست الذي انعقد في ألمانيا عام 2006 الذي ينص علي ان "بعض الانتقاد لإسرائيل يعتبر معاداة للسامية مثل انكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير (علي سبيل المثال الادعاء بأن دولة اسرائيل كيان عنصري، او بتطبيق معايير مزدوجة مع اسرائيل لا تطالب بها الدول الأخري) وتجريم كل ما يتردد عن سيطرة اليهود علي الميديا العالمية أو اتهام اليهود غير المقيمين في إسرائيل بالولاء لها". تجدر الإشارة إلي ان "التحالف الدولي لتذكر الهولوكوست" هو منظمة بين حكومية تأسست منذ 20 عاماً تعني بحماية حقوق الطوائف اليهودية في بلدان أوروپا. ومع ان تعريف التحالف لمعاداة السامية ليس ملزما إلا انه يعامل معاملة الدليل الإرشادي لتعريف معاداة السامية. في الآونة الأخيرة دأب نتانياهو علي طرح فكرة أن معاداة الصهيونية وأي نقد لها يعد بمثابة معاداة للسامية. حدث هذا في الكنيست أثناء زيارة الرئيس التشيكي للبرلمان الإسرائيلي، ثم بعدها بيوم في حوار له مع شبكة سي إن إن، وعبر رسالة بالڤيديو للمؤتمر الأخير لتحالف الهولوكوست الذي انعقد بفيينا ولم يحضره بسبب ازمته الحكومية الداخلية. في رسالته المصورة كرر نتانياهو ان معاداة الصهيونية هي معاداة السامية الجديدة. وبمساعدة مستشار النمسا مارس نتانياهو ضغوطا علي الاتحاد الأوروپي لتبني تعريف تحالف الهولوكوست. بعض الدول الأوروپية كانت تبنت بالفعل التعريف الجديد لمعاداة السامية مثل ألمانيا وبريطانيا والنمسا وبغاريا وليتوانيا ومقدونيا، لكن المؤكد ان تبني التعريف الجديد من قبل الاتحاد الأوروپي من شأنه أن يحمل ثقلاً ودلالة اكبر. لذلك توجست بعض الدول من تبني هذا التعريف لأنه قد يحول دون توجيه اي انتقادات لممارسات اسرائيل في الأراضي الفلسطينية بل ويجرم تلك الانتقادات فينقلب الجاني إلي ضحية ويتحول الضحية الحقيقي او مؤيدوه إلي متهم ومجرم دولي، من ثم احجمت بعض دول اوروپا عن تبني تعريف المعاداة الجديدة للسامية فخرج إعلان الاتحاد الأوروپي في هذا الصدد ليناً أو رخواً ومائعاً من وجهة نظر نتانياهو.