"84 صفحة، 76 صورة، تبرز 18 يوماً مسيلة للدموع. دموع الألم من الظلم. دموع الفرار من قنابل الغاز. هي أيام سطرت تاريخاً جديداً لأمة عريقة عمرها تجاوز السبعة آلاف سنة. تاريخ صُنع في ميدان التحرير". بهذه المقدمة لدار نشر "ميدان" يبدأ ألبوم مصور صغير أنيق صدر في القاهرة هذه الأيام عنوانه "صنع في التحرير". لكن للالبوم مقدمة أخري قصيرة كتبها الاديب اللامع علاء الاسواني قال فيها: "لقد فاجأت الثورة المصرية العالم ودفعت الدوائر الغربية الي إعادة النظر في التحليلات السطحية الخاطئة التي راجت طويلاً عن مصر. ويبقي السؤال الأهم هو لماذا ثارت مصر علي غير توقع؟". في مثل هذا الالبوم تكون الصور أبلغ تعبير عما حدث. الأمل والالم معاً. لقطات لا تُنسي شاهدها العالم في كل خطوط الطول والعرض. وتشير دار النشر الي انها "حرصت علي إختيار صور للثورة تتميز بالاحترافية في فن التصوير والشمولية في توثيق الحدث. وتم إنتقاء الصور ال 76 من بين 4000 صورة التقطها أكثر من 5000 مصور محترف وهاو". وحين تُقلب الصور الملونة وبالاسود والابيض تكتشف كم كان الزلزال كبيراً. ومع ذلك فان الصور بكل ما فيها من قوة ودقة عاجزة عن وصف ما حدث. ويستعين الالبوم بتعليقات لزعماء وأدباء يبدأها بكلمة للرئيس الامريكي باراك أوباما قال فيها: "كلمة تحرير.. تتحدث الي شيء ما في نفوسنا ينادي بالحرية. تذكرنا الي الابد بالشعب المصري بما فعلوه، وبما دافعوا عنه، وكيف غيروا بلدهم. وبينما يفعلون ذلك غيروا العالم". وفي صفحة أخري يقول أوباما: "هناك لحظات معدودة من حياتنا نشاهد فيها التاريخ يُصنع. وهذه واحدة من تلك اللحظات. فقد تكلم المصريون وسُمعت أصواتهم.. ولن تعود مصر كما كانت أبداً". وبكلمات أخري يُعبر الاديب البرازيلي باولو كويلهو عما حدث بقوله: "يصبح العالم أفضل عندما يخاطر الناس بشيء لجعله أفضل. أشكر المصريين". وهو شكر واجب للمصريين والتوانسة والليبيين الذين حققوا ما كان يعتبر مستحيلاً. لقد شاهدنا في الفضائيات في يناير وفبراير الماضيين كيف تواجهت السلطة بكل جبروتها مع الشعب الثائر بكل حناجره، فالناس لا تملك في الاحتجاجات السلمية غير حناجرها. وقد وثقت الصور هذه الحناجر وهي تهتف وتصرخ وتنشد وسط النيران والدماء والغاز والماء والرصاص والعصي والحجارة. "لا جديد في مصر، فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة" هذه كلمة لرئيس الوزراء الايطالي سلفيو بيرلسكوني وجدت لها مكاناً في إحدي صفحات الالبوم. و"شعب مصر يستحق جائزة نوبل للسلام" كلمة لرئيس النمسا هانز فيشر وجدت أيضاً حيزاً بين الصور. طبعاً "قراءة" الصور تختلف عن قراءة الكلمات. فلنقرأ اللافتات والشعارات التي وردت في صور الالبوم: "تعظيم سلام لشهداء الميدان. الشهيد الحي. علماء الأزهر يباركون ثورة الشباب. النصر مع الصبر. دم الشهيد مش هيضيع". ومعها في كل مكان تقرأ وتسمع: الشعب يريد رحيل النظام. إرحل. إرحل. إرحل. قالها الكبار والصغار. الرجال والنساء والاطفال. ومازالت شوارع وميادين القاهرة تحمل تلك الشعارات والهتافات التي وصل بعضها الي التوسل بالنظام السابق ليرحل حين قالها عريس جديد: "أرجوك إرحل.. مراتي وحشتني"! و" أرجوك إرحل.. إيدي بتوجعني"! حين تقلب صفحات الالبوم، وتتمعن جيداً في الصور، تدرك حجم النيران التي كانت في الصدور. فنار الاحساس بالظلم هي من نار جهنم. وهي نار لن تهمد الا بالعدل. العدل أساس الملك. التحية واجبة لكل من شارك في ثورات الربيع العربي. والتحية واجبة ايضاً للمصورين الصحفيين والتلفزيونيين الشجعان الذين وثقوا الحكاية "من طقطق.. لسلامو عليكو"!