ماذا تفعل لو أن أحدهم أطبق علي عنقك مُصراً علي خنقك وإزهاق روحك ؟. هل يلومك أحد لو أنك دافعت عن نفسك بينما تشعر أن روحك تكاد تغادر جسدك ؟. هل يقع اللوم علي الفريسة بينما ينعم الصياد بكل تكريم وإجلال ؟. ما رد فعلك لو أن العدو أراد أن يحرمك من الماء والهواء والغذاء ومن التعليم ؟. ما رأي العالم وهو يري العدو يريد أن يحرمك من حق الوجود ، بل ومحو ماضيك وكأنك لم تكن موجودا ؟. هذا هو الحال بالنسبة للفلسطينيين. هذا ما تفعله معهم إسرائيل المحتلة. هذا ما يشاهده العالم ويشيح بوجهه وكأنه لا يري شيئا. لكن الفلسطينيين لا يستسلمون. 70 عاما مرت علي النكبة وإعلان وجود إسرائيل وهم لا يستسلمون. 70 عاما مرت كأنها قرون طويلة ، فالألم يضاعف الشعور بالزمن ، وهم لا يستسلمون. يعيشون وسط الأنقاض ولا يستسلمون. يحرمون من الغذاء ولا يستسلمون. يحرمون من التعليم ولا يستسلمون. يفرط فيهم الأشقاء ولا يستسلمون. يتصالح الأهل مع العدو ولا يستسلمون. سوف يذكر التاريخ كفاح الفلسطينيين ويذكر مقاومتهم ويسجل ثوراتهم وانتفاضاتهم. لم يستكينوا بعد النكبة. اجتمع شباب من أبناء فلسطين وقرروا الكفاح المسلح. ولدت حركة فتح وبعدها جاءت منظمة التحرير وبعدها ترعرعت حماس ، كلها من رحم الأرض المحتلة. صار الفلسطيني رمز المقاومة والثورة. تعاطف ثوار وأحرار العالم مع القضية والأرض. في مرحلة السبعينيات التي تعبر عن التردي العربي القومي تراجع الأشقاء عن مكاتفة الفلسطينيين. رنت عيونهم وأفئدتهم للصلح مع العدو. يئسوا من النضال والمقاومة. رغبوا في الاستسلام وتنفيذ الأوامر. مالوا للدعة ولم يتحمسوا لكفاح شعب يثور لتحرير الأرض والعرض ، شعب يقاوم ولا يفرط في تاريخه. سعي الأشقاء لإهانة الثوار والتقليل من نضالهم. نشروا عنهم أنهم يبيعون القضية بدراهم ينفقونها في مواخير أوروبا. صوروا بعضهم علي أنه مرتزقة يحصل علي أموال الأشقاء لينفقها علي ملذاته. قد يكون هناك انحرافات من البعض ، وهذا وارد في كل مكان ، لكن الصبي الذي أحيا النضال بانتفاضة 1987 لم يكن منحرفا ، وربما لم ير الدولار أو الدرهم في حياته. هذا الصبي لم يكن موجودا وقت النكبة. لم يعش في أرض الأجداد التي احتلت ، لكنه ولد وهو يلقن تعاليم الثورة والكفاح. لم يملك بندقية لكنه لم يخش أن يحمل بدلا منها حجرا. لم يخف من صواريخ العدو وأطلق عليهم من مقاليعه وابلا من طوب هو بقايا منزله الذي هدمه العدو. العدو لا يفاوض ، لكنه يقف خلف قوي الاستعمار ويملي شروطه. العدو يدغدغ مشاعر الأشقاء بالمال. بالراحة. بوهم السلام. يداعب خيالهم بالمشاريع. يدعونهم للتعاون وبناء الرفاهية. الأشقاء يصدقون من تلطخت أيديهم بدم الفلسطينيين. الأشقاء فرحون برضا العم سام. العم سام لا يطلب ، لكن يأمر وأمره يطاع فورا من الأشقاء. يلوح بالجزرة ولا يخفي عصاه الغليظة. الأشقاء يوهمون أنفسهم بالجزرة لكنهم في الواقع يخافون العصا. العدو كان يخشي العرب مجتمعين ، لكنه الآن علي يقين من أنهم لا يجتمعون. العدو يعرف مكامن الضعف العربي -وهي كثيرة - لذلك لا يخشي منهم حتي لو اجتمعوا. العدو يذهب إلي عمان مجسدا ، لكنه موجود في كل شبر عربي وإن كنا لا نراه رؤية العين. العدو لا يخاف البيانات الشاجبة ولا التنديد ، لكنه يخشي الحجر الفلسطيني. العدو يخشي أطفالا لا يخشونه. العدو يخشي نساء لا يخشونه. العدو لا تهزمه أموال العرب ، لكن تهزمه صيحات الثورة. العدو لا يحب العرب ، لكن العرب يهابون العدو ويتمنون رضاه. العدو يسعي لابتلاع ثروات العرب ، والعرب يفرشون طريقه بالورود. العدو لا ينام مطمئنا ، ليس بسبب الجيوش العربية ، لكن لأن صبيا قد يلقي بأحجار علي مستوطنة فيفزع الصهاينة في كل مكان في الأرض المحتلة.