تمثل إعادة هيكلة جهاز الشرطة أحد أهم القضايا التي يتوقف عندها المصريون الآن ،وقد تباينت طريقة مواجهة الدول المتحولة من نظام سلطوي إلي نظام ديمقراطي لمعضلة إعادة هيكلة جهاز الشرطة. ففي جورجيا قامت حكومة الثورة بتعيين حقوقية علي رأس وزارة الداخلية فقامت بتسريح (فصل) 18 ألف شرطي عام 2004 هم كامل جهاز شرطة المرور بكل رتبه بسبب تفشي الفساد،بينما أطلقت جمهورية التشيك برنامجا للمعاش المبكر للعناصر غير المرغوب فيها من رجال الشرطة، ويقينا فإن للواقع المصري خصوصيته في تلك الاشكالية،لذلك يجب أن نناقش إمكانية عودة الشرطة ضمن هيكلة جديدة وتوافق اجتماعي علي دور جديد لها وفق مايلي: 1- تتطلب عودة الشرطة إجراءات قوية بحق الضباط الممتنعين عن أداء عملهم وقبول استقالة كل المتقدمين بها، وإنهاء خدمة كل من يثبت القضاء ارتكابه لجرائم التعذيب أو الفساد، مع التخريج الفوري لدفعتين من كلية الشرطة للدفع في الشوارع بوجوه جديدة ليست لديها المشكلات التي تولدت عن المواجهة مع الشعب خلال الثورة، كما يمكن تأسيس برنامجين فوريين؛ الأول لاستيعاب أعداد من خريجي كليات الحقوق في جهاز الشرطة بعد تأهيلهم من خلال دورات للعمل الشرطي وتدريبات بدنية، والثاني برنامج للمعاش المبكر للضباط والأفراد المشكوك في ارتكابهم انتهاكات لحقوق الانسان أو تورطهم في الفساد ويصعب اثبات ذلك عليهم قانونيا. 2- بالنظر إلي جهاز الأمن الوطني بشكل خاص فسنجد أن نسبة كبيرة من العاملين به هم من رجال جهاز مباحث أمن الدولة -المنحل- وغالبيتهم العظمي متورطة في التعذيب ، كما أن العقيدة الأمنية التي تربوا عليها تعادي الحريات العامة وتقدس السلطوية، كما أن مكافحة التجسس في مصر يعد نشاطا حصريا للمخابرات، لذلك يجب حل هذا الجهاز، ويمكن لاحقا تأسيس جهاز جديد بالكامل لمكافحة الإرهاب. 3- فيما يتعلق بالأمن المركزي، فلم يعد مقبولا في القرن 21 أن نضع الآلاف من الجنود المخصصين لمواجهة التظاهرات والاعتصامات تحت إمرة شخص أو جهاز واحد، كذلك فإن فيديوهات منشورة وشهادات عن أحداث 28 و29 يونيو الماضي تظهر تطور أداء هذا الجهاز في اتجاه غير مهني ينذر بتحولها إلي شكل أقرب للعصابة المنظمة،كما لم يعد مقبولا أن تكون الخدمة الوطنية التي يؤديها مئات الالاف من الشباب -مجبرين- تتمثل في حماية النظام السياسي وقمع الشعب، فمن الأفضل إعادة هذه الأعداد لمجال تأدية خدمتهم الوطنية الحقيقة (خدمة العَلَم وحماية الحدود) ويمكن استبدال جهاز الأمن المركزي بمجموعات صغيرة من فرق مكافحة الشغب مع قصر عملها علي الظروف المشددة ضمن ضوابط دستورية واضحة. 4-تقضي هيكلة وزارة الداخلية فصل كل القطاعات والإدارات التي لا تقوم بأعمال من صميم العمل الأمني عن الوزارة وضمها لوزارات متخصصة، كأن يتم فصل شرطة المرور والسياحة إلخ وضمها إلي الوزارات المعنية مثل النقل والآثار إلخ، وفصل الأحوال المدنية عن الشرطة وجعلها جهازا مستقلا أو ضمه لوزارة مختصة مع تحويل تبعية مديريات الأمن إلي المحافظين، خاصة بعد تحويل نظام اختيار المحافظين من التعيين الي الانتخاب، ليصبح المحافظ هو رئيس جهاز الشرطة في محافظته وبالتالي تسهل محاسبته علي أي تجاوزات يقوم بها موظفوه. 5-إعادة هيكلة الرواتب في جهاز الشرطة، فالراتب الضعيف والسلطة الكبيرة هي خلطة مؤكدة للفساد،مع السماح بتكوين التنظيمات النقابية للعاملين بجهاز الشرطة و تشجيع تطور الاشكال الأولية القائمة منها بالفعل مثل "ائتلاف أفراد وأمناء الشرطة".مع ضرورة تشكيل لجان تضم قضاة وحقوقيين لتفعيل دور عمليات الرقابة الشعبية علي أداء الشرطة. 6-التأكيد علي كون جهاز الشرطة هيئة مدنية وليس عسكرية ضرورة قصوي، وفي سبيل ذلك يجب الغاء الرتب العسكرية العليا مثل رتبة لواء من جهاز الشرطة والعودة للرتب القديمة مثل حكمدار او مفتش عام الخ، ويجب حظر محاكمة افراد او ضباط الشرطة أمام محاكم عسكرية في المخالفات المهنية او التحقيقات الداخلية. 7- التأهيل النفسي لضباط وأفراد الشرطة العاملين حاليا يعد مشروعا ملحا خاصة ان الكثير منهم تم تأهيله واعداده نفسيا خلال عهد مبارك ليتقبل قيامه بالقمع والتعذيب باعتباره مهمة عمل تقليدية، ويمكن أن تشارك مؤسسات المجتمع المدني في هذا النشاط بما يخفف العبء علي الجهات الحكومية المتخصصة. 8-تشكيل لجان استماع لها صلاحيات غير قضائية من أطراف حقوقية وقضائية وشعبية، تستمع إلي شكوي أي مواطن تعرض لانتهاكات وتستدعي الضباط المتهمين والشهود وتحقق في هذه الاتهامات، وتحاول أن تعقد صلحا وتقر تعويضات عرفية لطي صفحة المشكلة، وإذا لم يكن ذلك ممكنا، أو اذا كانت آثار الانتهاكات مزمنة، سواء آثارا نفسية أو بدنية، فتقوم اللجنة بتقديمها للقضاء ودعم الضحايا في المحاكم حتي يحصلوا علي حقوقهم. الأفكار السابقة هي خلاصة حوار ممتد مع أطراف منتقاة حزبية وغير حزبية من المثقفين والخبراء والحقوقيين رعاة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.. وقصدت طرحه للحوار والنقاش.