لم يكن ما حدث علي الساحة المصرية بعد ظهر يوم الجمعة الماضي شيئا مفاجئا بل كان أمرا متوقعا علي ضوء عمليات التعبئة والشحن التي شاركت فيها كل القوي السياسية وغير السياسية للوصول بالموقف إلي ما وصل إليه. ان ما تعرض له الوطن هو إرهاب يصل إلي حد المؤامرة التي استهدفت الأمن والاستقرار بل وجود الوطن كله. الكارثة تمثلت بكل المعاني في غياب المسئولية سواء الوطنية أو الوظيفية أو القيادية. يبدو انهم قد اتفقوا علي ترك الأمور تسير وفق أهواء الغوغائية والفوضويين والمتربصين الذين لا يقدرون ولا يدركون حجم الكارثة التي يقودون إليها مصر. لقد خطط المتآمرون علي اطلاق العنان للفوضي وممارسة الإرهاب وعمليات التخويف لمنع أي تحرك لاحتواء الأوضاع التي جهزوا لانفجارها. عملوا علي اصابة قوات الأمن بالشلل والعجز بالإرهاب والترويع ووضعها تحت سيف التهديد اذا ما حاولت القيام بمسئولياتها. امتد تسلطهم إلي قوات الجيش بتجريدهم من كل مسئولية الحفاظ عن أمن وكيان البلاد تحت دعوي الحياد السلبي. كشفت المواقف عن وجود اصرار وتعمد لادخالنا الي النفق المظلم الذي يلغي وجود الدولة المصرية تكريسا لدولة الفوضي والانفلات الامني والسياسي. ان اهم ما تم ملاحظته من المتابعة التليفزيونية ان الكثيرين من الذين شاركوا في اعمال الإرهاب والفوضي كانوا يجرون اتصالات مريبة أولا بأول بالموبايل لنقل صورة لما يحدث!! وهكذا وضعوا كل مصر تحت ضغط التخويف من تقديم قيادات دولة ما بعد الثورة إلي المحاكمة ليلحقوا بزملائهم الذين كانوا قد حاولوا أن يؤدوا واجبات ومهام وظائفهم. لم يضعوا في الاعتبار ولا في فكرهم امكانية أن يترتب علي ذلك الوقوع في بعض الأخطاء التي لا يساوي ارتكابها في نظرهم ضياع الوطن. تملك الجميع كبارا وصغارا الاحباط والخشية من الاقدام علي أي عمل قد يجعلهم متهمين وضحايا. أصابتهم جميعا رعشة عدم القدرة علي اتخاذ أي قرار للانقاذ حيث وجدوا أنفسهم في وضع المقارنة بين تأدية الواجب.. أو الامتناع.. بين انقاذ الوطن وبين الوقوف متهمين أمام المحاكم بتهمة تعريض حياة المشحونين غضبا وثورة للخطر. اقتصر دور الدولة الغائبة تماما علي التهديد الأجوف دون الجرأة علي اتخاذ خطوة واحدة يشم منها الرغبة في التصدي لموجات الفوضي وعمليات انتهاك أمن واستقرار الوطن. لقد تحولت مظاهرات تصحيح المسار بقدرة قادر ومخطط مُدبر إلي معاول لهدم هيبة الدولة وكيانها وتقزيم أجهزتها.. ظهر العجز واضحا تماما في دفع التطورات السلبية الي حالة من الضياع والرعب. لقد فقد الجميع السيطرة علي المشاعر إلي درجة ان أصوات بعض الذين دعوا إلي قيام هذه المظاهرات كانت ترتفع صراخا في بعص الفضائيات بعد ان فلت الزمام مطالبين بتحرك أجهزة الدولة لانقاذ ما يمكن انقاذه. ان ما حدث خلال ال24 ساعة الماضية من انفلات تجاوز كل الحدود هو مؤشر علي دخول الوطن الي مرحلة مجهولة العواقب وفتح الطريق الي الصدام مع المجتمع الدولي الي درجة اعطاء الفرصة لمحاصرة الثورة وفرض العزلة عليها. اننا مطالبون بوقفة صارمة مع النفس علي جميع المستويات ومراجعة شاملة لكل ما جري وما يجب اتخاذه من اجراءات لوضع هذا الوطن علي الطريق الصحيح الآمن. إن ما شهدته الساحة من تدهور وفقدان للسيطرة علي الأحداث الكارثية لابد أن يدفع إلي أن تكون هناك محاسبة ليس علي التصدي للفوضي ولكن علي جريمة عدم التصدي لهذه الفوضي من كل جوانبها وتحديد مسئولية كل طرف. نعم لقد عاشت مصر ليلة رعب ضاع فيها كل شيء واخشي ان يكون الامل في الامن والاستقرار قد اختفي تماما.