كوابيس.. شعور بالعجز.. انفصال عاطفي.. اكتئاب، ذكريات أليمة، ندبات نفسية وجسدية تأبي مفارقة جنود الجيش الاسرائيلي، الذين أصيبوا بصدمة الأسر خلال حرب أكتوبر 73، فلغة الأرقام تؤكد سقوط 301 جندي إسرائيلي في قبضة المصريين والسوريين حينئذ، ورغم أنهم عادوا إلي إسرائيل في إطار صفقات تبادل الأسري بين الأطراف المتناحرة، إلا أن الموت وحده أنقذ بعضهم من العيش في دوامة الأمراض الجسدية والعقلية والوظيفية.. وتؤكد تلك المعطيات دراسة أجراها قسم الصحة النفسية التابع للجيش الاسرائيلي، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة »هاآرتس» العبرية، عكف المتخصصون علي إعداد تلك الدراسة بداية التسعينيات، وحاولوا من خلالها التعرف علي آثار التجارب الصادمة التي عاشها المقاتلون طوال حياتهم، وخلال عام 2015، أجرت الدراسة تجارب علي 257 جندياً من القوات البرية سقطوا في الأسر، وقارنت صحتهم الجسدية والنفسية بمائة جندي لم يواجهوا المصير ذاته في حرب الغفران، ونشرت المجلة الطبية الاسرائيلية نتائج الدراسة في أغسطس 2018. وقالت الدراسة إنه رغم عودة الجنود الإسرائيليين بعد صدمة الأسر، إلا أن 43% منهم عاش طيلة حياته رفيقاً لأعراض الاكتئاب والقلق الشديد والكوابيس والشعور بالعجز. أما ثلث هذا العدد فبات رهين الاضطرابات الحادة بعد الصدمة، وأثر ذلك بشكل مباشر علي نمط حياتهم في العمل والمنزل. كما أشارت الدراسة إلي أن أكثر من 38% من الأسري الإسرائيليين، وخلال العقود الأربعة التي تلت الحرب كانوا أكثر عرضة من نظرائهم الذين لم يواجهوا نفس المصير للإصابة بأمراض القلب والسرطان والسكري، بالإضافة إلي ارتفاع ضغط الدم، ومتلازمة التمثيل الغذائي. أما 28% من هؤلاء الأسري، فكانوا أكثر عرضة للإصابة بفقدان الوزن، والمعاناة النفسية والجسدية، والشعور بالإذلال، وكان ذلك مرتبطاً جداً بأضرار جسدية وعقلية تعرضوا لها خلال تجربة الأسر، وفرضت نفسها علي حياتهم الأسرية لاحقاً. الأكثر من ذلك أن صدمة الأسر، بحسب الدراسة، أصابت الجنود الاسرائيليين ب»الشيخوخة المبكرة»، واتضح ذلك خلال التجارب المعرفية التي خضعوا لها، فتصاعدت نسب ضعف إدراكهم، ولم يتناسب مظهرهم مع سنهم، وحتي السلوك والاهتمام والحيوية وردودهم أثبتت جميعها أنهم باتوا أكبر سناً وأكثر عرضة للخطر من المجموعات التي لم تتعرض للأسر. أما معدلات الوفيات، فارتفعت لدي الجنود العائدين من الأسر أكثر من غيرهم، ووفقاً لجزء من الدراسة الاسرائيلية، الذي أجري بعد 35 عاماً من حرب أكتوبر، تبين أن خطر الموت بين الأسري أكبر أربع مرات من الجنود الذين لم يتعرضوا للأسر، إذ مات الأسري أواخر الثلاثينات أو أوائل الأربعينيات. وفي الموجة الأخيرة من الدراسة، وبعد مرور 42 سنة علي حرب يوم الغفران، زادت نسبة الوفيات بين الأسري العائدين، ووصلت إلي 1.6 مرة مقارنة بنسبة الوفيات بين الجنود التقليديين.