من مزايا الأعمال الدرامية التي كتبها محمد السيد عيد وأخرجتها إنعام محمد علي عن الشخصيات المصرية التي ساهمت في صنع نهضة مصر، أنهما لا يركزان فقط علي الشخصية البطل ويعالجان كل من حوله باعتبارهم شخصيات هامشية. وإنما يعطيان هذه الشخصيات من خلال علاقتها بالبطل، حقها في أن نعرف ملامحها الرئيسية، بما يرسم في عقولنا ووجداننا صورة متكاملة للملامح الاساسية لهذه الشخصيات. وهكذا عرفنا من مسلسل »رجل من هذا الزمان« كل الشخصيات الوطنية والثقافية والفنية ذات الثقل في نفس الزمان من خلال السيرة الذاتية للبطل الدكتور علي مصطفي مشرفة. فعرفنا أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة المصرية عندئذ والدكتور أحمد زكي عالم الكيمياء البارز والدكتور حسن أفلاطون عالم الحشرات الشهير وعرفنا من الساسة الدكتور أحمد ماهر والدكتور محمد حسين هيكل ومحمود فهمي النقراشي والنحاس باشا ومكرم عبيد وعرفنا مباديء وقيم وسلوك هذه الشخصيات.. فعرفنا مثلا كيف حدث الخلاف بين مكرم عبيد والنحاس حتي انتهي الي انشقاقه عن الوفد والدور الذي لعبه الملك فاروق وأحمد حسنين باشا في ذلك وعرفنا ملامح كثيرة عن جميع هذه الشخصيات كما عرفنا كيف بدأ وتطور الفنان محمد عبد الوهاب وأولي خطواته في تطوير الموسيقي العربية مستفيدا من دراسات مشرفة نفسه لمحاولة الارتقاء بالموسيقي العربية وآلاتها الي المستوي العالمي. ولعل من أبرز الشخصيات التي أولاها المسلسل عناية كبري تكاد تلم بالجانب الاكاديمي والفكري للعميد. فعرفنا كيف كان هذا المثقف العظيم الذي يقول دائماً أنه يريد التفرغ للادب والنقد، محبا لكل الفنون يحضر باهتمام حفلات محمد عبدالوهاب ومتابعاًَ بعناية للعلم وأبحاثه والعلاقات بأكبر مثقفي وعلماء بل وسياسيي عصره وهكذا ايضاً عرفنا من خلال هذا المسلسل كيف خاض طه حسين معركته الاساسية دفاعاً عن استقلال الجامعة ووقوفه بصلابة أمام محاولات بطش إسماعيل صدقي وقبضته الحديدية وتركيزه بالذات علي إبعاد طه حسين عن الجامعة فرفض قراره بأن يترك موقعه كعميد لكلية الآداب إلي أي وظيفة أخري مهما كانت مكانتها. بل وعندما عرض عليه رجاء من مدير الجامعة الأمريكية للتدريس بها، كمحاولة »لتعويضه« عن التدريس بالجامعة المصرية لم يقبل واصر أنه لن يدرس إلا في الجامعة المصرية ورغم إبعاده فعلا عن موقعه الجامعي أصر أن يكون دائماً عند موقفه ولعل صلابته وإصراره علي هذا الموقف المبدئي وعدم قبول تدخل السلطة التنفيذية ورئيس الحكومة شخصيا للجامعة. وقال قولته الشهيرة »سيذهب إسماعيل صدقي إلي الجحيم ويعود طه حسين الي موقعه بالجامعة«. وأثار هذا الموقف الصلب في نفوس اساتذة الجامعة جميعاً بل وطلابها إلي مساندته بالبيانات والمظاهرات والهتاف باسمه لأول مرة كعميد للأدب العربي. ووجد رئيس الجامعة المحترم ان واجبه يقتضي منه أن يقدم استقالته من رئاسة الجامعة تضامنا مع طه حسين والاساتذة والطلاب وكان هذا الموقف القومي لأحمد لطفي السيد باشا هو ما عرف تاريخيا بيوم 9 مارس للحفاظ علي استقلال الجامعة وقد ذهب إسماعيل صدقي فعلا بعد رفض الشعب كله لسياساته وبطشه وعاد طه حسين معززاً مكرما الي عمادة كلية الآداب وعاد بعده أحمد لطفي السيد إلي موقعه علي رأس الجامعة. هذا الموقف التاريخي لطه حسين وأحمد لطفي السيد وزملائهما من اساتذة الجامعة في ذلك الزمان، ظل في ضمير ووجدان اساتذة الجامعة الذين يحترمون عقولهم ومكانتهم كمربين لأجيال مصر المثقفة، حتي جاء منهم منذ سنتين من أحيا هذا التاريخ المجيد للجامعة. فأسس الدكاترة محمد أبو الغار وعبدالجليل مصطفي وزملائهما وزميلاتهما حركة 9 مارس الحديثة وبقيام ثورة 52 يناير والدور الجوهري الذي لعبته هذه الحركة اوشك ان يتعزر مرة أخري لاستقلال الجامعة وعدم فرض أي سلطة تنفيذية شيئا عليها وخاصة في اختيار قيادتها. ولذلك نشكر محمد السيد عيد وإنعام محمدعلي علي تقديمهما لهذا المسلسل الذي أضاء لنا شخصية العالم المصري النابغة مشرفة ورجالات عصره العظماء.. ونأمل من التليفزيون المصري أن يعيده مرات ليتزود المشاهدون بهذا الزاد الثقافي الوطني الرائع.