الى حد كبير، يمكن القول ان مسلسل «الايام» للمخرج الراحل يحيى العلمي، كان البداية في تقديم اعمال تلفزيونية دارمية تدور احداثها حول السيرة الذاتية لشخص ما من المشاهير. وكان هذا المسلسل النبوءة التي لفتت الانتباه الى موهبة الفنان الراحل احمد زكي، من خلال تقمصه للبطل الدرامي في كتاب «الايام» وهو الدكتور طه حسين. وهناك اعمال فنية، سينمائية وتلفزيونية تناولت سيرة بعض المشاهير وعلى سبيل المثال «سيد درويش» و«مصطفى كامل» في السينما، لكن «الايام» يظل هو الابقى في الذاكرة، ربما لان بطله هو طه حسين، لكونه عميد الادب العربي وربما لجودة صناعته، او ربما لان الادب يتفوق على الموسيقى «سيد درويش»، والسياسة «مصطفى كامل» في الذاكرة العامة. تداعيات وحالة صاخبة ومنذ ظهور مسلسل «الايام» والنجاح الذي تحقق له لم يلق مسلسل آخر نجاحا مدويا كالذي حققه «ام كلثوم» لمحفوظ عبدالرحمن وانعام محمد علي، على الرغم من بضعة مسلسلات تاريخية نجحت اثناء عرضها فقط كالتي قدمها نور الشريف، وحسن يوسف، وتناولت سيرة بعض الشخصيات التاريخية التي تركت بصماتها في الذاكرة الدينية. وقد يكون ذلك لكون هذه الشخصيات لا تنتمي الى الواقع المعاصر بكل مكونات عناصره ومقوماته وتوجهاته، التي تبتعد مئات السنين بين ما كان في طيات التاريخ. والواقع المعيش. وهكذا ظل مسلسل «ام كلثوم» الاكثر بروزا بين هذه النوعية من الاعمال الفنية. الى ان جاء مسلسل «الملك فاروق». وما اثاره من تداعيات وحوارات ومناقشات شاركت فيها النخب الثقافية والسياسية من اتجاهات عدة تتوزع في انتماءاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. واذا كان «الملك فاروق» قد نجح كعمل فني، فان نجاحه الاكبر تحقق في هذه الحالة الصاخبة التي فجرها وتركت اثارها. لكونها تتناول شخصية مثيرة للجدل هي «فاروق الاول ملك مصر والسودان» الذي اطاحت به ثورة جمال عبدالناصر ورفاقه في 23 يوليو من العام 1952 من القرن المنصرم فكان للمسلسل من مدحه واشادبه واعتبره رد اعتبار «للمك المظلوم» في وجه الاكاذيب والتلفيق والتشويه التي الحقته به الثورة الناصرية. وكان من الطبيعي ان تنبري اقلام لمهاجمة المسلسل معتبرين اياه مؤامرة ملكية لتشويه الثورة وعبدالناصر والاساءة اليه، لان المسلسل طعن بكل المبررات التي قامت على اساسها الثورة. شخصيات متفردة ومن المؤكد ان مسلسلات السيرة الذاتية تنجح لسببين: اولهما شخصية من يتناوله المسلسل واهميتها، والدور الذي لعبته في الحياة العامة وتأثيره في المجتمع ولابد هنا ان تكون هذه الشخصية متفردة وغير عادية في مجالات عطائها. والسبب الثاني الحرفة الفنية المبدعة التي يصاغ بها المسلسل. مع عدم تجاهل اهمية اختيار الممثل الذي يتقمص الشخصية لتجسيدها على الشاشة. وهي الاسباب التي تجعل من مسلسل ما باقيا في الذاكرة، ومسلسل آخر يمر مرور الكرام دون اي اثر يذكر له مع ملاحظة ان التجارة الفنية استهوت هذا الامر، فصار تقديم مسلسلات السيرة الذاتية «موضة» اكثر مما هو هدف تنويري ومعرفي بالشخصيات التي تتناولها، لدرجة الوصول إلى تقديمها عن فنانين مازالوا بيننا رغم رحيلهم. بما تركوه لنا من اعمال فنية سينمائية وتلفزيونية وغنائية تطالعها عيوننا يوميا فتنسى انهم في العالم الآخر، خاصة ان سنوات رحيلهم مازالت قريبة منا. كما حصل مع مسلسلات «سندريلا» عن حياة سعاد حسني، و«العندليب» عن عبدالحليم حافظ. ناهيك عن شخصيات اخرى غير فنية، كما في مسلسل «امام الدعاة» لحسن يوسف عن السيرة الذاتية للراحل محمد متولي الشعراوي. و«فارس الرومانسية» لمحمد رياض عن حياة الاديب الراحل يوسف السباعي. و«قاسم امين» لكمال ابوريا، عن حياة صاحب دعوة تحرير المرأة. على ان الموضة ما زالت مستمرة. ففي الطريق الى رمضان المقبل. مسلسلات اخرى يجري التجهيز لها عن السيرة الذاتية ل: «فريد الاطرش، محمد عبدالوهاب، محمد فوزي، رشدي اباظة، بليغ حمدي، روز اليوسف»، وصولا الى شخصيات في مجالات اخرى مثل علي مبارك رائد التعليم والتنوير، وعلي مشرفة، العالم النووي. وصولا الى غيرهم من الشخصيات التي برزت في مجال فكرها وعملها، من المؤكد انه يجري البحث عنهم في طيات الكتب وصفحات التاريخ.