تم اغتيال الصحفية الروسية »آنا بوليتكوفسكايا« في مدخل العمارة التي تقيم فيها، بواسطة مجهولين كانوا يتبعون تحركاتها ودلف اثنان منهم من باب العقار وأردياها قتيلة أمام المصعد! الجريمة البشعة هزت الرأي العام العالمي، خاصة أن الغالبية أجمعت علي أنها جريمة »سياسية« الهدف منها التخلص من المحققة الصحفية الشهيرة بتحقيقاتها عما يحدث في الشيشان من جرائم حرب، وتعذيب، وتدمير، نسبتها »آنا« إلي أفراد القوات المسلحة الروسية. تعليق الرئيس الروسي »بوتين« علي الجريمة بعد أيام عديدة علي ارتكابها جاء جافاً، مُستخفاً بكتابات الفقيدة مما أثبت لكثيرين أن رأس النظام الروسي كان راضياً، و هانئاً، وسعيداً بالتخلص من تلك الصحفية التي لا تكف عن التشهير بالنظام الحاكم الروسي، و وحشية قواته العاملة آنذاك في الشيشان. وقيل إن »بوتين« تصوّر أن اغتيال »آنا بوليتكوفسكايا« قد أنهي »أسطورتها« ولن تمر أكثر من أيام أو شهور معدودة تصبح مجهولة تماماً، لكن توقعات »بوتين« سرعان ما خابت. اغتيال الصحفية »آنا بوليتكوفسكايا« أحدث صدمة هائلة داخل روسيا، وخارجها. جمعيات حقوق الإنسان، وهيئات حماية الصحافة والصحفيين في العالم أجمع حشدت قواها، وإمكاناتها، واتصالاتها، من أجل التنديد بهذه الجريمة التي لا هدف من ورائها سوي: ضرب حرية الصحافة، وإسكات قلم صحفي وقف إلي جانب الحق وضد الباطل. ومن أروع ما قيل عن الصحفية » آنا« أو »آنيا« كما يسميها المقربون جاء علي لسان »بانفيلوف« مدير مركز الصحافة في موسكو الذي نعاها قائلاً: [في كل مرة يطرح فيها التساؤل عما إذا ما تزال هناك صحافة شريفة في روسيا، فإن الاسم الأول الذي سيطرأ علي فكرنا وذاكرتنا هو اسم:آنا بوليتكوفسكايا]. وفي مقابلة إعلامية أضاف نفس هذه الشخصية الصحفية المرموقة »بانفيلوف « قائلاً: [إذا كان المدافعون عن حقوق الإنسان، والليبراليون، يحترمون »آنا بوليتكوفسكايا« فكثيرون من زملائها وزميلاتها يكرهونها و يغارون منها.. لأنها كانت علي عكسهم تتمتع بحصانة ذاتية ضد كل اغراءات الدعاية لشخصها وانفراداتها]. بعد 5 أيام علي اغتيال الصحفية الروسية، نشرت صحيفة »نوفيايا جازيتا« المقال الأخير الذي لم تكملّه »آنا« قبل إطلاق الرصاص عليها، وعُثر عليه في »الكمبيوتر« الخاص بمنزلها. عنوان المقال: »يسمونك: الإرهابي«. وتروي »آنا« فيه نماذج من وحشية أساليب التعذيب التي يمارسها عادة الجنود الروس ضد سكان القوقاز، بصفة عامة، و »الشيشان« بصفة خاصة أيام حربهم الطويلة ضد ثوارها. ولم يكن المقال يتحدث بشكل عام عن التعذيب وفنونه البشعة، وإنما ركّزت الصحفية المحققة القديرة علي ما تعرض له مواطن شيشاني اسمه: »بيسلان جاداييف« اضطر تحت قسوة التعذيب المفزع إلي الاعتراف بارتكاب ثلاث جرائم قتل لم يرتكب واحدة منها، ولم يكن قد سمع عنها، أو عن ضحاياها.. من قبل! المقال الذي لم يكتمل أحدث نشره في الصحيفة الروسية التي كانت تعمل »آنا بوليتكوفسكايا« فيها، دوّياً هائلاً لدي الروس، الذين كانوا يتابعون مقالاتها أو الذين لم يسمعوا عنها إلاّ بعد اغتيالها، فأذهلتهم كتاباتها، واهتموا بالبحث عن مقالاتها التي سبق نشرها، وكتبها التي أصدرتها من قبل في محاولة من جانبهم للتواصل مع تلك الكاتبة التي غابت عن دنياهم فجأة.. مع سبق إصرار وترصد القتلة ومن وراءهم! تضاعف اهتمام الرأي العام الروسي ب »آنا بوليتكوفسكايا« و مقالاتها وكتبها بعد اغتيالها هو نفس الاهتمام الذي حظيت به لدي الرأي العام الخارجي الذي صدمته جريمة اغتيالها .. وهو الاهتمام الذي جاء علي عكس ما كان الرئيس الروسي آنذاك يتوقعه، ويتوهمه! .. و أواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]