لا أشارك من يَرَوْن أن اقتصاد تركيا قد انهار أو علي وشك الانهيار قريبا، وذلك بعد أن فقدت الليرة التركية أكثر من ربع قيمتها مؤخرا، وفي ظل عقوبات اقتصادية اتخذتها أمريكا ضد تركيا بسبب اعتقال القس الأمريكي.. فإن انخفاض عملة أي اقتصاد لا تعد دوما مظهرا للانهيار، بل إن هناك دولا تتعمد تخفيض عملتها لزيادة تنافسية صادراتها والخدمات السخية لديها، وهذا تمارست عليه الصين لسنوات طويلة، كان فيه الأمريكان يمارسون ضغوطا عليها لرفع قيمة عملتها.. كما أن استمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية ليس مؤكدا في ظل ما تعودنا عليه من تراجعات اضطر إليها أردوغان في علاقاته الدولية مثلما فعل مرارا مع إسرائيل، وأيضاً مثلما فعل مع روسيا، وبالتالي فإن احتمال تراجعه في موضوع القس الأمريكي ليس مستبعدا، بل لعله بدأ هذا التراجع بإخراج القس من السجن وتحديد إقامته في أحد المنازل ! غير أنني مع ذلك كله لا أغفل مؤشرات مهمة تشير إلي أن تركيا علي مرحلة هبوط وليس صعودا اقتصاديا، وأن رحلتها مع التراجع الاقتصادي قد بدأت، وأنها معرضة للعديد من الأزمات الاقتصادية، وأن تجربتها الاقتصادية التي كانت تتباهي بها بدأت مسيرة الأفول.. وتتمثل هذه المؤشرات في تباطؤ النمو الاقتصادي الذي بدأت تركيا تعاني منه، وأيضاً انسحاب استثمارات أجنبية عديدة من تركيا، خاصة في سوق الأسهم والسندات بالبورصة، مع اتجاه معدل التضخم للارتفاع، وتخفيض التصنيف الإئتماني لتركيا. وإذا كان أردوغان يراهن في إنقاذ الاقتصاد التركي علي العلاقات مع روسيا وأوربا مع استثمار الأزمة الإيرانية مع أمريكا، فهذا ليس رهانا مضمونا في إعادة الاقتصاد التركي للازدهار الذي عاشه في سنوات مضت، وإنما قد يكفي بالكاد لتخفيف حدة أزماته فقط، فضلا عن أن تحسين العلاقات التركية مع أوربا ليس متوقعا، كما أن العلاقات مع روسيا قد تتأثر بما يحدث علي الساحة السورية. إن أردوغان حظي عندما تولي الحكم في تركيا بالدعم الاقتصادي من الأمريكان لأنهم كانوا يسعون لتقديم تركيا ونظامها كنموذج لحكم إسلامي، أو حكم لحزب إسلامي، حتي يشجع علي تعميمه في منطقتنا العربية، وذلك علي غرار ما فعله الأمريكان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حينما أعدوا مشروع مارشال لإعادة بناء اقتصاديات أوربا الغربية لتقدر علي مواجهة الاتحاد السوفيتي القوة العالمية الثانية وقتها، وأيضاً ما قام به الأمريكان لدعم نمور آسيا وذلك لتعميم نظام اقتصاد السوق.. غير أنه بعد سقوط حكم الإخوان في مصر عام 2013 لم يعد الأمريكان في حاجة لنظام إسلامي نموذج لإغرائنا بمحاكاته في بلادنا، مثلما لم يعد الأمريكان في حاجة لدعم الأوربيين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وأيضاً مثلما لم يعد الأمريكان في حاجة لمنظور اقتصادي بعد أن ساد اقتصاد السوق العالم وتراجع تدخل الدولة في الاقتصاد.. وهكذا لقد مد أردوغان بقاءه في السلطة عدة سنوات ليشهد تراجع وأفول تجربته الاقتصادية التي لم تكن من صنعه وحده وإنما كانت بدعم الأمريكان !