تحية واجبة للمسئولين في الهيئة المصرية العامة للكتاب واتحاد الناشرين علي ما بذلوه من جهود مشكورة في إقامة معرض القاهرة للكتاب، الذي بدأ في منطقة فيصل بحي الهرم يوم 5 ويستمر حتي 25 من شهر رمضان المبارك، ولقي ولا يزال إقبالا كبيرا من الجمهور، الذي تأثر كثيرا بإلغاء المعرض الدولي في يناير الماضي بسبب أحداث الثورة. وهي فرصة للحديث عن أهمية نشر ثقافة القراءة وحب الاطلاع والبحث عن المعرفة، وتشجيع هواية اقتناء الكتب، وتكوين المكتبات الخاصة في البيوت، وضرورة تدريب وتوجيه وتربية أبنائنا وبناتنا علي الاهتمام بها، والتنافس في البحث عن المعرفة، وتشجيع التأليف والنشر، وإقامة المكتبات العامة. فهل تعلم عزيزي القارئ أن متوسط زمن القراءة في "الكتب" عند الإنسان العربي لا يزيد عن 6 دقائق فقط سنويا، وأن كتابا واحدا يصدر سنويا لكل ربع مليون مواطن عربي، مقابل كتاب واحد لكل خمسة آلاف مواطن في الغرب، ومقابل كل كتابين يصدران في الوطن العربي، هناك مائة كتاب تصدر في الغرب، أي خمسين ضعفا! هذه الحقائق كشفت عنها دراسات وأبحاث علمية أقيمت قبل نحو عامين، بهدف بحث مدي الإقبال علي القراءة واكتساب المعرفة عن طريق الكتب لدي المواطن العربي. والسؤال المطروح هو: هل أسباب تدني مهارات القراءة هنا تتعلق بالجانب المادي وحده؟ أي بالقدرة علي شراء واقتناء الكتب (غذاء العقل والفكر والروح والوجدان)، في ظل وجود مستوي اقتصادي ومعيشي صعب في مصر علي سبيل المثال، أم أن الأمر يتعلق بدرجة أكبر بثقافة "التربية علي عادة حب القراءة والاطلاع والبحث عن المعرفة منذ الصغر"؟، ومدي تضافر جهود مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام علي تنمية هذه الثقافة؟ في تقديري أنه إذا كان للجانب الأول تأثير واضح علي ضعف الاهتمام بالقراءة، باعتبار أن الوضع الاقتصادي في بلادنا لا يزال سيئا، مما يجعل اقتناء الكتب وأدوات المعرفة بشكل عام ترفاً في كثير من الأحيان، فإن الجانب الآخر هو الأكثر تأثيرا في النهاية، باعتبار أنه حتي لو تحسنت الأحوال المادية لدي الأفراد، فإن شراء الكتب لا يعد من أولوياتهم، وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلي وقفة جادة لتصحيح هذا الوضع. والأمم الناهضة تولي جانب القراءة والإطلاع والمعرفة اهتماما كبيرا، وتخصص الإمكانيات اللازمة للوصول إلي مستوي أفضل من المعرفة، سواء من خلال الإصدارات المخفضة والمسابقات البحثية أو من خلال تخفيض تكاليف نشر وإصدار الكتب، بإعفاء الورق ومستلزمات الطباعة من الجمارك والضرائب والرسوم، أو إقامة المعارض المتنقلة في المحافظات والمدن الكبري أو غيرها من الوسائل التي تساعد في نشر الكتب، وبمثل ذلك تتقدم الشعوب وترتقي الأمم وتتجدد الحضارات. خصوصاً وأن المعارف في هذا العصر أصبحت تتسارع بمعدل هائل، والأحداث سواء المحلية أو الدولية تثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، وتأتي الكتب المنشورة لتزيل جانباً من هذا الغموض، وترد علي بعض التساؤلات الحائرة لدي الكثيرين، ولا شك في أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحاجة إلي تواصل المعرفة والاطلاع، لبناء الشخصية القوية الواعية، صاحبة الرؤية الحاضرة الواقعية، والمستقبلية الواضحة. وأعتقد أن هناك الكثير ممن يرغبون في القراءة، لكن ربما يشكل ضيق الوقت وكثرة الأعباء وغلاء الكتب عائقاً، ولذا أري ضرورة اهتمام مؤسسات الدولة والأسرة والمدرسة والمسجد والأندية الرياضية ووسائل الإعلام والوزارات المعنية، بغرس وترسيخ ثقافة حب القراءة والاطلاع بين أبناء المجتمع، وخصوصا بين الأجيال الجديدة، فمصر الحرة تحتاج إلي العلم والمعرفة والثقافة للبناء والتقدم.