أصبح من الثوابت والمسلمات بأن الجيش المصري العريق له الفضل في حماية الثورة.. بل كان مشاركا أساسيا وظهر ذلك جليا في التحامه بالثوار بإرادة قوية وبتحد غير مسبوق، وقد أحدث الجيش توازنا رائعا بحكمته الوطنية التي عمقت الإحساس بالارادة الثورية الذاتية التي عظمت من الروح الوطنية عند جموع الثوار والملايين من ابناء الوطن، وعلي الجانب الآخر لا يمكن ان يتحقق ذلك الا بجهود المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي يقود البلاد في ظروف بالغة الصعوبة، ولكنها ظروف استثنائية في تاريخ مصر الحديث، ستظل الذاكرة الوطنية مضيئة ونابضة بأحداثها وتحولاتها السياسية والاجتماعية، وفي خضم هذا الزخم من الاحداث المتعاقبة تفشت ظاهرة الفوضي والبلطجة وغياب كامل للحكومة التي تصر علي عدم طرح رؤيتها للشعب لتعميق مبدأ المشاركة علي أرض الواقع والتي افتقدها منذ عقود من الزمان.. ونتج عن ذلك تفكك مؤسسات الدولة.. وعدم الانضباط وانتشار الاشاعات المتوالية التي تسئ الي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتباطؤ الأحكام وعدم السيطرة علي الانفلات بالمجتمع وغياب الحس الثوري الذي بدأت به ثورة 52 يناير 1102، واذا كان الغالبية العظمي تعتبر القوات المسلحة (خط أحمر) فإنني أراه اكثر واعظم من ذلك لكونه القوة والطاقة الوطنية الكامنة في جسد هذا الوطن.. وجاءت محاكمة مبارك الرئيس المخلوع صباح الاربعاء الماضي ضربة قاصمة للمشككين في مصداقية المجلس الاعلي للقوات المسلحة، والحدث من خلال هذا المشهد التاريخي والمتحضر اثناء المحاكمة قد انعكس علي العالم كله بالانبهار والتقدير لما تم من اجراءات علنية منضبطة شهدها العالم كله فمصر قادرة علي تحقيق العدالة وبشفافية مطلقة وبثقة وهمة روح الثورة التي دفعت بالجميع نحو حالة تفاؤلية جديدة، حالة فجرت طاقات وطنية غير مسبوقة، ما جاء بمشهد المحكمة الاربعاء الماضي في داخل قفص الاتهام مبارك وأبناؤه والعادلي ومعاونوه وانضباط القاعة وحزم وحسم القاضي وباحترام كامل.. أدي ذلك الي تعزيز لجمال المشهد علي كل المستويات السياسية والعالمية، هذا المشهد الذي شاهده العالم أجمع زلزل كيان القتلة والفاسدين في المجتمع.. ورسالة واضحة للمجتمع، وأثبت المجلس الاعلي مصداقيته التي تزداد يوما بعد يوم مع القرارات الحاسمة والوفاء بها، تتبقي عدة ملاحظات أجدها في غاية الخطورة والاهمية، تكرار احداث العباسية والموسكي وغيرها يشير الي ضرورة الحذر والخوف علي الثورة التي تتربص بها كتائب العهد البائد، واللافت للنظر عدم الاعلان عن أحكام عاجلة لردع البلطجية المنتشرين في كل مكان ويهددون ويروعون المواطنين، وايضا انتشار السلاح رغم الاعلان عن اجراءات رادعة تصل الي المؤبد ورغم هذا مازال السلاح منتشرا والاحداث الاخيرة بالعريش والعباسية والموسكي تؤكد علي ذلك، مطلوب أحكام رادعة ويعلن عنها بوضوح في وسائل الاعلام المختلفة، اما من جهة الشرطة للأسف الشديد مازالت الشوارع والطرق السريعة بين المحافظات خالية وهذا ينذر بفوضي اكثر شيوعا لانعدام ثقافة المواطن الذي لم يعرف معني الحرية، فالغالبية العظمي يفسرونها بهذه الفوضي، فنجاح الثورة يحتاج الي جهود متصلة نحو ثقافة جديدة تتوافق مع هذه المرحلة الفارقة من تاريخ مصر.