سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
»الأخبار« ترصد زراعات المخدرات في جبال سيناء: »حدائق الشيطان« الحصاد المر في أرض الفيروز
الزارعون: نحن لم نزرع الشوك بإرادتنا وأسألوا نظام مبارك عن الأسباب
النبت الشيطاني لم ينتشر في مهد الأديان إلا بعد رحيل الاحتلال الصهيوني
»بدو سيناء خونة يعيشون علي التهريب وتجارة المخدرات والسلاح كما ان جزءا ليس بقليل منهم قطاع طرق«.. للاسف الشديد العبارة السابقة تلخص الصورة الذهنية المترسخة لدي الكثير من المصريين عن جزء غال وعزيز من أبناء هذا الوطن.. عانوا الكثير مابين حياة قاسية صعبة اكثر وعورة من جبالهم وطرقهم.. وحروب متعاقبة فقدرهم ان تكون الحدود الشرقية هي البوابة المفضلة لغزاة مصر.. هذا بخلاف التجاهل الرسمي الرهيب الذي لم يترك لهم من خطط التنمية سوي التصريحات والوعود الكاذبة التي لم يلمسوا منها علي مدار عقود سوي الفتات.. فمستوي الخدمات الصحية والتعليمية يقترب من الصفر.. ونصيبهم من فرص العمل داخل محافظتهم لا يبتعد كثيرا عن هذا الرقم.. ورغم كل هذه الظروف القاسية فأسهل شيئ ان نكيل الاتهامات إلي أهلنا دون ان نبحث عن مدي صحتها وحجمها واسبابها ان وجدت .. وبحثا عن جزء من الحقيقة المبهمة حاولت »الأخبار« رصد تفاصيل زراعة وتجارة المخدرات في سيناء باعتبارها اكثر هذه الاتهامات شيوعا كما انها واقع ملموس لايمكن تجاهله وليست مجرد تهمة مطاطة مثل »الخيانة« ينكرها بالفعل تاريخهم الطويل الحافل بالبطولات والتضحيات ودماء الشهداء التي روت نبتة الحرية في أرض الفيروز... مفاوضات البداية البداية الفعلية لتنفيذ محاولة اختراق مزارع المخدرات كانت منذ مايزيد عن الشهرين اثناء حديث مع مجموعة من أهل سيناء حول موقفهم من ثورة 25 يناير وكيف يراها الكثيرون منهم القبلة التي ينتظرون ان تعيد لارض الفيروز الحياة بعد سنوات من تجاهل نظام مبارك لهم منذ خروج الصهاينة من سيناء وحتي الآن .. مما ترك المجال لنمو النبت الشيطاني في مجتمعهم في ظل تفشي البطالة وضعف التعليم وبالتالي ندرة فرص الحياة والرزق .. وعندما طلبنا منهم ان ندخل الي حدائق الشيطان بأنفسنا.. بدأت المشاورات والاتصالات طوال هذة الفترة والتي اوصلتنا من شخص إلي آخر نظرا لان الطلب حساس وموضع ريبة بالنسبة لهم.. حتي انتهينا عند دليلنا النهائي الذي التقيناه أولا في خيمة بمنطقة صحراوية لا تتخيل وجودها في المدينة السياحية الاولي بمصر شرم الشيخ.. وبعد جلسة طويلة وشرح مفصل حول اسباب رغبتنا في زيارة المحظور ولمس نيتنا الصادقة في نقل الصورة بحيادية كجرس انذار ربما ينبه القائمين علي أمر البلاد حاليا ولاحقا لخطورة الموقف.. ووعدنا بالرد خلال أيام بعد ان يعود الي دياره للتشاور حول الامر واستئذان اصحاب هذة الزراعات لأنه بدون موافقتهم فالأمر مستحيل.. وصدق الرجل وجاء صوته عبر الهاتف ليبشرنا بنجاحه في اقناع بعض اصحاب المزارع بالموافقة علي السماح لنا بتنفيذ الموضوع.. واتفقنا علي اللقاء في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي ولكن هذه المرة علي مشارف مدينة الطور عاصمة محافظة جنوبسيناء وكعادته وجدناه في الموعد .. وبالفعل استقل معنا الدليل السيارة وتوجهنا الي المجهول . احباط مبكر وبعد ان قطعنا ما يقرب من المائتي كيلو متر بالسيارة غابت خلالهم عنا كافة ملامح المدنية وسقطت اشارات استقبال الخدمة في الهواتف المحمولة للشبكات الثلاث ولم يعد لنا من وسيلة اتصال بالعالم الخارجي سوي دليلنا الذي كان يملك بنشأته في هذه الدروب ان يعيدنا الي الطرق التي نعرفها مرة أخري.. وتوقفنا في محطتنا الأولي وهي كما اخبرنا الدليل نقطة الانطلاق حيث جلسنا في منزل احد اقربائه والمفاجأة انه رغم انه لا يبتعد كثيرا عن الطريق الا انة كان يوجد علي رأسه مزرعة صغيرة لمخدر البانجو. ولذلك كان السؤال المنطقي هو الاستفسار عن اسباب الزراعة في منطقة مكشوفة بعكس ما اكده لي مسبقا عن مواصفات مناطق الزراعة .. وجاءت اجابته اكثر منطقية ان الاحوال الآن هادئة في اشارة الي الغياب الامني الذي تعاني منه مصر بالكامل وبالتالي فالأوضاع حاليا اغرت الكثيرين بتجاهل احتياطات السلامة والحذر.. ودخلنا بالفعل للمنزل وبعد تقديم واجب الضيافة بدأ دليلنا في اجراء عدد من الاتصالات لابلاغ من اتفق معهم من اصحاب المزارع بأننا علي مقربة منهم - علما بأن المسافة القريبة لأهالي سيناء تقاس بعشرات الكيلومترات- وكانت المفاجأة الصادمة ان معظمهم تراجع عن موافقته خوفا من تبعات تنفيذ الموضوع حتي مع تأكيداتنا ان الهدف يصب في الصالح العام لاهالي سيناء.. ولذا لم يكن امام الدليل سوي ان يقوم بجولة بنفسه أو صطحب معه قريبه وتركنا في المنزل لمدة اقتربت من الساعة ونحن علي مشارف احباط من فشل مبكر للمحاولة.. ولكن ابتسامته بعد العودة جاءت لتنعش بداخلنا الأمل في تنفيذ الموضوع وبالغعل اخبرنا اننا سنتوجه الآن إلي عدد من المزارع لكي نرصد مراحل الزراعة المختلفة التي اكتشفنا لاحقا انها لا تختلف كثيرا عن زراعة أي محصول آخر وربما كانت اكثر يسرا. موسم البانجو بعد ان تحركنا الي المحطة الثانية اوضح لنا الدليل ان المخدر المزروع حاليا في كامل سيناء هو البانجو فقط نظرا لان المنافس الاخر له وهو الافيون محصول شتوي تبدأ زراعته في شهر اكتوبر وتنتهي في مارس ليتسيد بعدها البانجو الموقف تماما فهو نبات سهل الزراعة كما انه سريع الانبات.. فالزرعة الواحدة لاتحتاج الي اكثر من ثلاثة أشهر تكون جاهزة بعدها للحصاد ثم البيع .. وبعد قطع مسافة كبيرة علي طريق اسفلتي ثم مسافة اكبر علي مدق داخل الجبال لا تستمع اثناء المرور به سوي لصوت الحجارة وهي ترتطم بالسيارة من الأسفل .. كما كدنا ان نغرس في الرمال اكثر من مرة لولا مهارة زميلنا السائق وليد محمود.. حتي وصلنا بعد معاناة لا تقدر عليها سوي سيارات الدفع الرباعي إلي وادي محاط بالجبال من كافة الاتجاهات طلب منا الدليل التوقف هنا رغم عدم وجود أي اشارات لان هذا المكان يوجد به حياة من الأصل.. ثم طلب من قريبه ان يذهب بمفرده أولا لاستئذان الناس واستطلاع الطريق.. وبالفعل ذهب الرجل والغريب انه ذاب وسط المكان في دقائق ورغم اننا كنا نهارا والمكان مكشوف الا انه اصبح اثرا بعد عين .. وبعد اختفاء لحوالي 20 دقيقة رجع الي السيارة والغريب جاء من اتجاه معاكس تماما للاتجاه الذي ذهب منه.. واخبرنا ان هذه المزرعة كانت مزروعة بالافيون والبانجو ولكن للاسف تم حصد محصولها بالفعل ولم يتبق سوي اعواد يابسة من النباتين . قواسم مشتركة المزرعة كانت مقسمة الي نصفين شبة متساويين في النصف الاول توجد بقايا اعواد افيون مازالت جذورها في الارض كما اوضح لنا الدليل وزاد الأمر وضوحا بعد ان شاهدنا عود كاملا به زهرته المعروفة ولكنها جافة وتوجد بها آثار "التشريط" الذي يقومون به لا ستخلاص المخدر من الزهرة - كما علمت ان هذه الاعواد الجافة يطحنها بعض الاهالي من كبار السن ويتناولونها كأحد اشكال المنشطات - كما ان بها البذور التي يستخدمونها في زراعة المحصول القادم وهي عبارة عن بذور سوداء صغيرة الحجم .. وفي النصف الثاني من المزرعة توجد اعواد البانجو التي مازال بعضها مزهرا رغم انتهاء موسم الزراعة بالنسبة لاصحاب المكان .. ويعد من ابرز ملامح المكان التي اكتشفنا انها قواسم مشتركة في كافة مزارع المخدرات خزان المياه وهو عبارة عن حفرة واسعة في الارض بعرض حوالي ثلاثة امتار وطول عشرة امتار يتم ملؤها بالماء وتغطيتها بمشمع شفاف لمنعه من التبخر.. إلي جواره ماكينة رفع مياه ومواسير لنقل المياه من الخزان الي الارض لري المحصول.. بالاضافة الي خيمة بسيطة التكلفة "تعريشة" وهي الاسم المحلي للمكان الذي ينامون فيه وهو عبارة عن قوائم معدنية يوضع عليها "بطاطين" قديمة كجدران للمكان. جزر منعزلة بعد ان انتهينا من الجولة والتصوير في محطتنا الثانية بدأنا رحلة العودة الي السيارة ثم فوجئنا بالدليل يطلب ان نعود الي الطريق الاسفلتي مرة أخري وهو ما ادهشنا في البداية ظنا منا ان هذه هي منطقة مزارع المخدرات وسنجدها جميعا علي مسافات متقاربة.. ولكن الواقع ليس كذلك فهي اشبه بالجزر المنعزلة لذا رجعنا مرة أخري الي الطريق الاسفلتي في عودة الي الاتجاه المعاكس لما تحركنا منه ثم طلب منا الدليل هذه المرة ان نترك السيارة في مكان لا يبعد كثيرا عن منطقة بها بعض المساكن .. وطلب منا ان نتحرك سيرا إلي محطتنا الثالثة وهي مزرعة بانجو -حديث الزراعة - نظرا لان الطريق صاعد وملء بالحجارة ويستحيل ان تمشي فيه حتي سيارات الدفع الرباعي .. وهنا ابلغنا دليلنا الاساسي انه لن يأتي معنا الي هذه المزرعة وسيتوجه الي احد كبار المنطقة لكي يؤمن تحركنا .. وطلب من قريبه الشاب ان يصحبنا الي المكان وبالفعل تحركنا مع الدليل الجديد الي وجهتنا في طريق لايقارن في وعورته بالسابق وبعد مسيرة ليست قصيرة وجدنا انفسنا في مزرعة لاتختلف كثيرا عن السابقة من حيث الملامح الاساسية وان كانت ملامح الحياة تمنحها مظهرا مختلفا تماما فهناك كان اللون الاخضر للمزروعات يكسو المكان الذي لم نشاهد به سوي صبيان لا يتجاوز عمر أي منهما بأي حال من الأحوال ال15 عاما.. وبعد ان تعرفنا عليهما علمنا انهما شريكين من الشركاء الاربعة للزرعة ولكنهما يحملان العبء الأكبر في عملية رعاية المحصول الذي عمره حوالي شهرا بخلاف بعض الاحواض - المقصود بها المربعات التي يتم تقسيم الأرض بها اثناء الزراعة- التي لم تتعد اليومين. برسيم بعد ذلك توجهنا إلي المحطة الرابعة لمزرعة بها محصول علي وشك الحصاد ورغم انها علي غير المعتاد كانت علي مسافة غير بعيدة - وفقا لمقاييس أهالي المنطقة- عن المزرعة السابقة الا انها لم تكن ظاهرة علي الاطلاق من موقعنا السابق رغم ارتفاعه وحتي مع تحركنا في اتجاه المكان الجديد ورغم اننا عندما وصلنا الي المكان لم نجد احدا علي الاطلاق الا انة بمجرد ان بدأنا التصوير ظهر صبي علي اعتاب مرحلة الشباب منفعلا وموجها حديثه للدليل المرافق لنا في حديث باللكنة البدوية لم نفهم منه شيئا سوي »ايش بيصوروا .. برسيم ؟!!!« في عبارة استنكارية لسماحه لنا بالتصوير كما لو كنا في زراعات تقليدية .. وعندما حاولنا التدخل لتهدئة الموقف واقناع هذا الشريك بالموافقة علي السماح لنا بالتصوير .. اوقفنا دليلنا بشكل حاد طالبا عدم التدخل واستئناف التصوير وابلغ الصبي بأنه استأذن من شريكه الاخر الذي يفوقه سنا .. كما طلب منه الابتعاد عن مجال الكاميرا ووقف هو امامها لطمأنته الي عدم وجود خطر. الحصاد بعد هذه المحطات الأربع لم يتبق لنا في مراحل زراعة المخدرات سوي المرحلة الاهم التي ينتظرها الزارعون بفارغ الصبر وهي الحصاد.. وكانت محطتنا الخامسة والأخيرة الي مزرعة تم حصادها منذ ساعات قليلة ومازال بها تشوينات البانجو.. ولكن تم تغطيتها بزعف نخل و»حصير بلاستيك« و»بطاطين« لهدف مزدوج هو حمايتها من عوامل الشمس والرياح والأهم من ذلك هو وقايته من شر أعين الأجهزة الأمنية التي رغم انها لم تعد مصدر تهديد لهم حاليا إلا انهم يفضلون عدم ترك شئ للصدفة في هذه الحالات.. واشار الي انه اثناء وجود الصهاينة في سيناء كانت هناك مزارع مخدرات ولكن بمساحات صغيرة لا تكاد تذكر وكان من يزرعها يبيعها للسائحين الاجانب في شرم الشيخ.. ثاني التساؤلات كان حول مصدر بذور المخدرات لمزارع سيناء وخاصة مع التأكيدات بانها اسرائيلية .. وجاء القاسم المشترك في اجابات المصادر المختلفة التي قابلناها هي نفي المصدر الاسرائيلي- وفقا لتأكيداتهم- موضحين ان هذه البذور اما يتم تخزينها من انتاج زرعة العام الماضي أو تأتي تهريبا من السودان مرورا بصعيد مصر وصولا الي سيناء.. بينما المصدر الايسر والأقرب هو الاردن حيث يتم تهريب البذور من ميناء العقبة الي دهب او نويبع في مخابئ سرية بمراكب الصيد. موسم المطر أما عن المواسم الأبرز لزراعة المخدرات فهو بلا خلاف الموسم الشتوي نظرا لان معظم هذة الزراعات تعتمد علي الامطار بشكل اساسي للري.. كما ان الافيون الذي يعد المحصول الاهم لديهم نظرا لربحيته العالية التي تفوق البانجو بكثير رغم انه اعلي تكلفة واكثر مشقة في الرعاية لان دورته المحصولية اطول فهو يستغرق من خمسة الي ستة اشهر تبدأ من اكتوبر وتنتهي في مارس.. وهي أصعب اشهر السنة للاقامة في منطقة صحرواية مكشوفة ووسط الجبال . زبون حاضر وبالنسبة لعملية تسويق المحصول.. وفقا لتأكيدات زارعي المخدرات فهذه هي المرحلة الاكثر يسرا نظرا لان زبونه حاضر ومعروف مسبقا علي حد تعبيرهم فلكل منهم تاجر يتعامل معه.. ومعظم هؤلاء التجار يأتون من ثلاث مناطق رئيسية خارج سيناء وهي القاهرة والاسكندرية والصعيد . مزارع الداخلية وعن علاقة الاجهزة الأمنية وعلي رأسها ادارة مكافحة المخدرات بمزارعي المخدرات في سيناء فجر احد اصحاب المزارع مفاجأة كان من المستحيل ان نجزم بمدي صحتها.. وهي ان هناك اتفاقا شرفيا بين المزارعين والاجهزة الامنية لاعداد مزارع مخدرات في مناطق معينة ومراعاتها طوال الموسم بنفس كفاءة متابعتهم لمزارعهم الخاصة.. والطريف في الامر انها تعرف بين اهل المنطقة باسم ادارة المخدرات التابعة لها.. وذلك بحيث تقوم الادارة بالهجوم عليها باتفاق مسبق مع المزارعين.. ترتيبا لأوراقهم في العمل حيث يطلب منهم عدد معين من الضبطيات.