وقوف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام عيون الكاميرات، للكشف عما وصفه بأسرار الأرشيف النووي الإيراني، سبقه وتلته تنسيقات مع الإدارة الأمريكية، لاسيما فيما يتعلق بتوقيت إزاحة الستار عن القضية وما تحويه من تفاصيل؛ فرغم أن الكشف الذي يدور الحديث عنه، يعود إلي عملية للموساد في عمق الدولة الفارسية، انتشل بموجبها معلومات من داخل برنامج »عماد»، وهو أدق البرامج النووية الإيرانية سرية، إلا أن الإدارة الأمريكية استخدمت الكشف في صياغة مواقفها حيال ملفات بعينها، رغم أن دوائر سياسية في تل أبيب أكدت أن المعلومات التي كشفها نتانياهو بطريقة مسرحية ليست جديدة وكلها معروفة من قبل. ويؤكد المعلق السياسي أڤنير كوهين في مقاله بجريدة هآرتس أن الوثائق التي كشفها الموساد لم تقدم أي مستند مؤرخ، والمستند المؤرخ الوحيد يعود إلي 2003 ولا شيء جديد لاحقا لهذا التاريخ. العملية الإسرائيلية تعود إلي تاريخ يسبق الكشف عنها بعدة شهور، وربما ألمح إلي ذلك صراحة رئيس الموساد يوسي كوهين، المعروف عنه قلة التصريحات الصحفية، حينما قال: »إن إسرائيل تمتلك معلومات تؤكد استمرار إيران في بناء برنامجها النووي بما يخالف توقيعها علي الاتفاق النووي في 2015». أثار التصريح استهجان خبير الشئون الاستخباراتية الإسرائيلي عامي روحكس دومبا، الذي تساءل عبر مقاله المنشور بموقع »إسرائيل ديفنس» عن أسباب إحجام إسرائيل عن تقديم الأدلة التي تملكها إلي الإدارة الأمريكية. لم يعلم الخبير الإسرائيلي أن المعلومات وصلت بالفعل إلي البيت الأبيض قبل كتابة مقاله؛ ففي أواخر يناير الماضي، توجه رئيس الموساد إلي واشنطن، حاملاً معه عينات من أسرار، حصل عليها عملاؤه من قلب المفاعلات النووية الإيرانية. كشف كوهين عن ما في جعبته أمام الرئيس ترامپ شخصياً، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية في حينه، وزير الخارجية الحالي مايك پومپيو؛ وكان اللقاء محفزاً علي ميل ترامپ إلي تعديل الاتفاق النووي الإيراني أو الانسحاب منه. عاد كوهين إلي إسرائيل، وهو يعلم أن ترامپ ينتظر مزيداً من المعلومات لتدعيم موقفه؛ وبعد تولي پومپيو حقيبة الخارجية رسمياً، أجري زيارة للمملكة العربية السعودية، ثم إلي إسرائيل للقاء نتانياهو وأعضاء حكومته؛ وهناك وخلال لقاء ثنائي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي، فوجئ بالأخير يقول: »لقد ترجمنا كميات من الملفات التي حصلنا عليها حول البرنامج النووي الإيراني، ووصلت كميات المواد المترجمة إلي 40% من إجمالي ما نملكه، وكنت أود معرفة موقف الرئيس ترامپ من الإعلان عنها؛ هل يفضل الإعلان عن ما نملكه فوراً، أم يرغب في إرجاء الإعلان لحين الانتهاء من ترجمة كافة المعلومات عن الفارسية؟». وبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي استفساره، حسب تسريبات نشرها موقع »دبكا» العبري، بأن يكون الرئيس الأمريكي يفضل توقيتاً معيناً للإعلان. وأكد تقرير الموقع العبري أن پومپيو لم يكن لديه رد علي استفسار نتانياهو، فانتحي جانباً بهاتفه، وأجري اتصالاً علم منه نتانياهو أن ترامپ يصر علي الكشف عن أسرار الأرشيف النووي الإيراني فوراً، حتي قبل الانتهاء من مهمة ترجمة المواد كاملة. وتشير المعلومات العبرية إلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قرر عقد اجتماع عاجل للمجلس الأمني للشئون السياسية والأمنية، وأبلغ فيه طاقمه بالإعلان فوراً عن معلومات الموساد حيال النووي الإيراني، ومع الاستجابة الإسرائيلية، علمت دوائر التقرير العبري أن رئيس الإدارة الأمريكية ينتظر بشغف ترجمة ما تبقي من معلومات حول برنامج »عماد» الإيراني، وفي حين لم تستبعد الدوائر ذاتها أن ينسحب الرئيس الأمريكي من الاتفاق النووي مع طهران، ويقنع حلفاءه الأوربيين لاسيما فرنسا بتبني الموقف ذاته قبل موعد إعلان موقفه النهائي في 12 مايو الجاري؛ تؤكد محافل إسرائيلية أخري إصرار دول أوروپية علي التمسك بالاتفاق النووي، لاسيما بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لكن أصحاب الرأي الأول أكدوا أن الجهود الإسرائيلية في الحصول علي الوثائق الإيرانية ستحفز ترامپ علي افتتاح السفارة الأمريكية في القدس بنفسه، فرغم ما تردد حول رئاسة پومپيو وفد بلاده في افتتاح السفارة، إلا أن تسريبات مؤكدة تشي بأن ترامپ يعتزم الإقدام علي تلك الخطوة بنفسه في 14 مايو الجاري، أو بعبارة أخري بعد 48 ساعة من قراره حول الاتفاق النووي الإيراني. وأوضحت التسريبات أن ترامپ إذا زار إسرائيل في هذا التوقيت، فلن يطول عمر الزيارة عن 3 ساعات فقط، يعود بعدها إلي واشنطن.