لعل اليوم بذكراه يثير في النفس نوازع كثيرة، واختلاجات كأن الزمان يعيد نفسه، قامت ثورة يوليو 25 استجابة لمخزون هائل من السخط والألم في قلوب ابناء الشعب المصري جله، بآهاته الحزينة التي اندلعت مع نيران حريق القاهرة ووصول الروح الي الحلقوم. فالفساد والطغيان والفقر والانهيار الاجتماعي، والطبقة الوارثة للحكم ومن حولها الاقطاع ومن ورائهم زبانية البوليس السياسي ومن خلف المشهد الفساد السياسي يصل الي آخر قطرة في دماء المتاجرين بالقضايا الوطنية، وكان الاحتلال الاجنبي من وراء ذلك كله مهيمنا ومشعلاً نار الفتنة بين أبناء مصر. ولعل قائد هذه الثورة كان يعمل في صمت بعيداً عن الأنظار فلم يستطع أحد أن يصل إليه، برغم المنشورات التي كانت توزع قبل القيام بالثورة، مشيرة الي تنظيم داخل الجيش هو الضباط الأحرار، يرفض كل هذه الأوض اع ويعد العدة لازاحة الفاسدين وبدأوا بانتخابات نادي ضباط القوات المسلحة. وكان الضباط الأحرار في الحقيقة علي قلب رجل واحد، خططوا وأقسموا وانفجرت مصر كلها عن ذلك البيان الذي ألقاه انور السادات بصوت عطوف مليء بمشاعر مختلطة من الألم والحب والجد ليؤكد أن الضباط الأحرار يبغون الخير لهذا الوطن وينحازون للشعب وهم من عامة الذين تجرعوا مرارة الحرمان وذاقوا ويلات الظلم من نظام فاسد وأدخل البلاد الي نفق مظلم. ولم يكن هناك بد من المجازفة والتضحية بالارواح، ففي حالة الفشل. كانت أعواد المشانق هي المكان المنتظر لتعليق هؤلاء الضباط عليها ومعهم بالطبع كل من عاونهم علي الثورة، واستطاع جمال عبد الناصر أن يتفادي كثيراً من المطبات والحفر والمكائد التي وضعت في طريق الثورة، بخطابه الانساني والوطني وإخلاصه الشفيف لقضية بلاده وتعرض بالفعل لضغوط ومحاولات عديدة من جانب بعض الاطراف التي أيدت الثورة لاختطافها والانقضاض عليها ولولا هذه المحاولات المتكررة والمكشوفة لكان لثورة يوليو طريق آخر ولكانت الديمقراطية السلمية هي القطاف الاعظم لها، ولكن يبدو أن مصر وشعبها لا يهنأ لهم بال ولا يستريح حتي يقفز علي غراسهم من يستبيحه وينهب رواءه. هذا ما يبدو لي اليوم وقد ثارت مصر، بشعبها لا يقوده أحد الا غضبه الفوار يجتاح كل موضع من الوطن ليعبر عن نفس السخط ولنفس الاسباب تقريباً التي قامت من أجلها ثورة يوليو، وتم استدراجها وثوارها الي حروب جانبية ومصائد أهدرت الوقت والجهد وبددت كثيراً من الأحلام التي كان عليهم أن ينجزوها ويتركوها حلوة سائغة لمن بعدهم من الأجيال المقبلة. نفس المرارة وحالة الفقر المدقع وقع بنا رجل لا يعرف الثورة ولا يعرف التاريخ ولا يعرف معني كلمة وطن، فأستباحنا جميعاً وأغلق الابواب علينا وأفسح الطريق لطبقة فاجرة طوال ثلاثين عاماً، جرفوا أرض مصر وروحها، لقد سطا هذا الرجل علي الثورة فأقبرها، وبدد مكتسباتها وسلمنا رهينة للهيمنة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، رجل كان يعشق الكيان الصهيوني حتي جاوره ويبدو أن وصيته أن يجاوره حتي الانفاس الأخيرة، جاءت ثورة يناير لتنفض التراب الذي أهاله الخونة علي ثورة وتاريخ مصر التي تضرب بجذورها ولهيبها أحقاباً وأحقاباً. لم ينم الشعب مستكيناً ولم تذهب أرواح شهدائه سدي، لقد فتحت السماوات أمام طوفان الغضب وأمواج الهموم الكاسحة، لم تقم ثورة يناير إذن من أجل شعارات يرفعها البعض لنا اليوم انتهازاً للموقف، هي شعارات تخصهم وتخص أغراضاً يضمرونها في نفوسهم منذ زمن بعيد، الثورة هي ملك شعب، هبط أكثر من نصفه تحت خطوط الفقر، وضاعت أحلامه وبقي عليه ألا يحلم بغير رغيف الخبز أو بعض الملابس المتواضعة، ففي الوقت الذي سقط فيه قتلي في طوابير الخبز، كان الأثرياء السفهاء يقتتلون في الحانات وصالات القمار في قلب القاهرة علي العاهرات. إن الذين يحاولون سرقة ثورة يناير اليوم ما اشبههم بهؤلاء الذين حاولوا سرقة ثورة يوليومن قبل، ولكنهم لن ينجحوا بأي حال لأن الشعب قد استيقظ، وأن يقظته هذه المرة أكبر من أن يخدعها مخادع جبل علي المكر والمخاتلة طوال تاريخه، إنها دماء سالت وأن الافاقين، سوف تفشل ريحهم ولسوف يعلمون أي منقلب ينقلبون. دفتر اشعار الثورة إنما أنت ضميري استعيدك من متاهات الظلام ومن صمت القبور إنما أنت طريق الحر لليوم العسير فمصيرك مهما كبلوك وكبلوني هو نفس مصيري أيها الواقف تحمي ثورتي بالدم والروح والنفس الأخير