كانت بداية الثورة في 52 يناير 1102 غير مسبوقة ومنهجية قيام الثورة البيضاء أذهلت العالم كله، وما تم من إنجازات حتي الآن من إجراءات والإمساك برؤوس الفساد في مصر ومحاكماتهم وغيرها من إجراءات حتمية تهيئة للانتقال إلي دولة مدنية معاصرة والإعداد لانتخابات مجلس الشوري والشعب ورئيس الجمهورية، مضافاً إلي ذلك ظاهرة تأسيس أحزاب جديدة، وائتلافات متعددة في شتي المجالات.. هذا كله يعد ظاهرة صحية، ولكن كل ما أنجز حتي الآن لا يتوافق مع المرحلة الزمنية ولا مع متطلبات الثورة الأساسية وهذا يعود إلي فشل حكومة أحمد شفيق، وحكومة شرف الأولي التي امتدت عدة شهور وغلب عليها الارتباك والتوتر والتردد مما انعكس علي المجتمع بسلبيات ليس لها حدود وفي مقدمتها »الفراغ الأمني« أدي غياب الأمن في مصر إلي الانهيار الاقتصادي وانتشار البلطجة والعشوائية، والسرقات بكافة أنواعها، وحالة ارتباك فاضح في حركة المرور، والبناء علي الأراضي الزراعية، وانتشارتجارة السلاح في كل مكان، واستخدام السلاح في أي لحظة بالرغم من القرارات الصارمة التي أقرها المجلس الأعلي للقوات المسلحة، انتشار ظاهرة الانفلات السلوكي كأن الثورة فجرت هذه الفوضي؟ وإرتباك الحكومة وغياب الرؤية والسياسات افقد الشعب ثقته في الحكومة مما أدي إلي فوضي، وما حدث لوزارة الثقافة علي سبيل المثال وتقسيمها الي وزارتين كان كارثة ومازال السيناريو مستمراً.. تحويل المجلس الاعلي للآثار الي وزارة دولة، ثم تلغي وبعد المظاهرات تعاد مرة أخري، والآن يرشح وزيراً جديداً بدلاً من الاثري زاهي حواس ثم يتهمونه بأنه ليس متخصصاً، ويستجاب لأصوات المظاهرات.. ثم يعلن بأن الوزارة ستلغي مرة اخري شيء مخيف وتردد يسيء لمصر لأنها في حاجة ماسة في هذه الفترة إلي قرارات شجاعة وصريحة، ولكن هذا الارتباك والتردد لا يليق بمصر، مضافاً إلي ذلك منهجية اختيار الأسماء المرشحة لحقائب وزارية.. مازال نفس الأسلوب السابق للثورة الشعب لا يعرف لماذا اختير فلان، ولا كيف اختير بمعني ماهي المعايير التي علي أساسها تم الاختيار، الثورة تفرض المكاشفة والمصداقية والأمانة الوطنية من خلال مشاركة الشعب في بناء المجتمع الجديد، وللأسف الشديد خسرنا الشهور الماضية من جراء ذلك، والثورة ليست مظاهرة لفئة معنية ولكن هي ثورة شعب بكامله علي نظام فاسد أدي إلي كوارث، فأنا أري العودة إلي تاريخ حرب 3791 وكيف بني الجيش نفسه عام 7691 بدءاً من حرب الاستنزاف وحتي العبور والنصر العظيم، وكيف هيأت الحكومة والنظام في هذه الفترة الشعب كله وصدر قرار »التعبئة العامة«، وهذا يعني الوطن في حالة حرب وعلي جميع المواطنين عسكريين ومدنيين كل منهم عليه واجبات وطنية عليه الوفاء بها.. وتحقق ذلك خلال حرب الاستنزاف التي توجت بانتصار أكتوبر 3791، والثورة وأهدافها لا تقل عن حرب أكتوبر بل تزيد في أهدافها المرهونة بمستقبل وطن، واقترح بأن يصدر قرار بالتعبئة العامة فعلي الجميع أن يدرك بأن الثورة هي عمل أكثر وإنتاج أكثر وإنجازات تليق بالثورة بجانب إعادة هيكلة مؤسسات الدولة ترتكز علي مرجعية واضحة لسياسات واستراتيجيات لمستقبل مصر.. ويعد برنامجاً لتحقيق ذلك خلال فترة زمنية محددة وفق معدلات النمو الاقتصادي، وهذا يحتاج لمشروع قومي للتوعية وتعميق ثقافة الثورة ومتطلباتها، والمسئولية هنا تقع علي الحكومة بأكملها والأحزاب والجامعات والمؤسسات المدنية، فالمواطن المثقف الواعي يستطيع أن يدرك ويستجيب لحتميات هذه المرحلة الحرجة.