كف أيها الانسان عن التفتيش عن مصدر الشر، هو أنت، لا شر في العالم إلا والانسان مخترعه، فإذا تلاشي عمل الانسان من العالم لا يبقي فيه إلا الخير والفضيلة، وكما يقول الحكيم »إنني ألاحظ ان الاشرار في هذا العالم يتجمعون معا في العادة ولو كان كل منهم يكره الآخر، وهذا هو سر قوتهم، أما الاشخاص الصالحون فهم مبعثرون، وهذا هو سر ضعفهم«. والحقيقة التي لا جدال فيها ان الاشرار »صناع الفساد« يساهمون بطريقة مؤثرة في حدوث تشوهات اقتصادية، وزعزعة الثقة في كفاءة الاستثمار العام والاستثمار الاجنبي، وتصدع القيم الاخلاقية داخل المجتمع وانتشار اللامبالاة والاحباط، وزيادة الفجوة بين الاغنياء والفقراء، وهروب رؤوس الاموال الوطنية الشريفة التي لا تندمج مع المناخ غير النظيف، ويحجب الضوء عن المستثمر الجاد الذي يرغب في التواجد علي أرض صلبة خالية من الرشاوي والروتين والعقد التي لا يحلها إلا عباقرة الفساد، ويؤثر علي سمعة الدولة في المحافل الاقتصادية الدولية الامر الذي يصعب معه الحصول علي منح أو قروض ميسرة لدفع عجلة الانتاج. ويقف ابليس »مصدر الشر في الكون« وأولاده علي مسرح الفساد أمام أي محاولة لانهاء دورهم في المرافق العامة ومنعهم من اساءة استغلال وظائفهم، أو اتخاذ تدابير تشريعية تجرّم أفعالهم، وتستخدم عائلة ابليس المحسوبية والمجاملات والمصاهرة وخفة الدم »مسوغات التعيين والترقي في العصر الحديث« التي تعد من الاسباب الرئيسية في هتك عرض بعض المرافق والقطاعات هذه الوسائل في زيادة نسلهم وتوطيد دعائم نظامهم. وأهم أبناء ابليس علي الاطلاق »المرتشي« الذي يعبد المال ويفتح ادراج مكتبه لعشاق النقوط، ويجتهد ويؤدي عمله بكل دقة عقب مشاهدته الدراهم والدنانير التي تفتح شهيته التي تعشق المال الحرام، ويتقاعس عن الحركة امام أصحاب الحالات الحرجة التي لا تملك القدرة علي التعامل معه، ويردد دائما »تراعيني قيراط اراعيك قيراطين، وتشوفني بعين اشوفك باتنين«. الرشوة نوع من الفساد يُطلق علي دفع شخص أو شركة مالا أو ما يسري عليه حكم المال كالعقارات والمنقولات والهدايا من اجل الاستفادة من حق أو ميزة ليس له فيها نصيب، أو أن يعفي نفسه من واجب يتعين عليه القيام به، ولا يشترط في جريمة الرشوة ان تكون الأعمال التي يطلب من الموظف اداؤها داخله في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي ان يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وان يكون من طلب منه الرشوة قد اتفق معه علي هذا الأساس. والمرتشي يعد اخطر أولاد ابليس تأسيسا علي انه يفسد المجتمع، وينزع الثقة فيما بين الناس، ولا يطمئن الانسان لاجراء العدالة في أمور حياته، وينتج عن افعاله ضياع الحقوق، وحبس أهل الحق، وتقديم أهل الباطل، وهذا يحدث في المجتمع ما لا يحمد عقباه، فالرشوة من أخبث المكاسب، واثرها علي الفرد والمجتمع من أسوأ الآثار. والرشوة - للأسف الشديد - جريمة سرية يصعب في كثير من الاحيان ملاحقة مرتكبيها، وذلك لتحوطهم الشديد وقدرتهم علي حرق الادلة والخيوط التي قد تمكن جهات التحقيق من الوصول إليهم، إذ انها تتم بعيدا عن اعين الناظرين، ولذلك يجب علي الاجهزة المختصة ابتكار وسائل وتقنيات حديثة لملاحقة اطراف هذه الجريمة وفق لاجراءات قانونية سليمة. والرشوة حرام في الشرائع السماوية وأحكام القوانين الوضعية، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أكل منها، فقد أكل سحتا، واستعمل حراما يؤثر علي اخلاقه وعلي دينه وعلي سلوكه.