حلقة برنامج »أهل الرأي« التي قدمتها الإعلامية اللامعة الدكتور درية شرف الدين علي قناة »دريم« واستضافت فيها المهندس عادل جزارين الرئيس الأسبق لشركة النصر لصناعة السيارات التي أسسها جمال عبدالناصر سنة 9591.. وباعها حسني مبارك سنة 5991.. كانت تنقصها صورة لسميرة.. ابنة الأسطي محمود.. وهي ترتدي المايوه علي الشاطئ في الاسكندرية! القضية.. ليست مجرد بيع مصنع.. وتسريح عمالة. القضية هي اغتيال حلم.. اغتيال أمل.. اغتيال مشروع وطني.. كان من الممكن الآن.. وبعد مرور 05 سنة علي مولده أن يكون لدينا ملايين العاملين في قطاع الصناعة.. وأن تكون لدينا طبقة من العمال المهرة.. لقد اغتال حسني مبارك.. حلم الثورة الصناعية.. كما اغتال حلم المفاعلات النووية.. وإقامة الدولة العصرية، وعشرات الأحلام. أما القصية التي نشرها إحسان عبدالقدوس في أوائل ستينيات القرن الماضي.. فكانت لها خلفيات سياسية.. سأبدأ بها قبل الانتقال لقصة المايوه. الحكاية باختصار شديد أنه مع بداية سنة 8591.. بدأت تتردد في القاهرة نغمة جديدة.. لم تكن مألوفة من قبل وهي دخول مصر عصر الصناعة.. وأن مصر ليست دولة زراعية.. كما تردد الدوائر الاستعمارية.. وإنما هي دولة صناعية أيضاً.. وكثر الكلام عن الصناعة في تلك الأيام بشكل غير مسبوق.. وتبارت الأقلام التي تشيد بالعصر الجديد.. عصر التصنيع.. وقالوا إن الزمن القادم هو زمن العمال وأصبح شعار المرحلة هو: »ثورة صناعية من أجل الرفاهية والرخاء«.. وصدرت بالفعل الخطة الخمسية الأولي التي تضمنت عدداً من المشروعات التي توفر احتياجات السوق المحلية وما يستلزمه الإنتاج من شق الطرق واستنباط القوي المحركة ورفع مستوي التعليم الصناعي والمهني.. وقال جمال عبدالناصر أيامها ما معناه أن التصنيع لا يعني زيادة الإنتاج فحسب.. وإنما يعني.. أيضاً.. مجتمعاً جديداً منطلقاً.. سائراً إلي الأمام! والتقط السيد أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب أيامها الخيط.. وقال إن خطة مصر للتصنيع سوف تسهم بشكل ملحوظ في إحداث التغييرات التي ترجوها الأمة العربية ويسعي إليها الشعب العربي كله.. وأتوقف عند هذه المرحلة التي تثير العديد من الشجون.. قبل الانتقال لمايوه بنت الأسطي محمود.. لأشير إلي ما جاء في برنامج »أهل الرأي« الذي استضافت فيه الإعلامية القديرة د. درية شرف الدين.. المهندس عادل جزارين. يقول المهندس عادل جزارين: إن مصر كانت تمر أيام الرئيس عبدالناصر بمرحلة طموح سياسي.. بلا حدود.. وبدأت فكرة التصنيع.. بإنتاج سيارة وطنية وعربات نقل وأتوبيسات ولواري.. وكاننت صناعة السيارات وحدها توظف مائة ألف عامل فني.. ترسل منهم مائة عامل كل سنة للتدريب في مصانع »دويتس« التي تصنع السيارات المرسيدس في ألمانيا. ويقول: إن فكرة إنشاء مصانع شركة النصر.. كانت تسعي لخلق مناخ يمكن أن يؤسس لصناعات أخري. وأن هذا الحلم استمر طوال سنوات الرئيس الراحل أنور السادات.. الذي كلفه بإنتاج سيارة شعبية.. لا يزيد سعرها علي ألف جنيه »بسعر سنة 6791«. ويقول إنه عندما ترك الشركة سنة 2891.. كانت صرحاً صناعياً ضخماً يعمل به 21 ألف عامل ويتعدي إنتاجه 003 مليون جنيه.. ويحقق أرباحاً.. ويقوم بالتصدير للدول العربية والافريقية. ويقول عادل جزارين: لقد بدأنا في إقامة صناعة للسيارات في مصر.. قبل الصين وكوريا وماليزيا.. وقبل العديد من الدول النامية التي تصدر لنا السيارات الآن.. وكانت شركة النصر لصناعة السيارات.. هي القوة الناعمة لنا بين الأمم.. وكانت القاسم المشترك الأعظم في برامج زيارات زعماء العالم.. لمصر.. كانت صور زعماء الدول الافريقية.. والآسيوية.. ودول الكتلة الاشتراكية.. أثناء زيارتهم للمصانع في وادي حوف.. تنعش الآمال.. في مستقبل مشرق في ظل كرامة وطنية تدفعنا إلي اللحاق بالأمم الراقية. ويقول عادل جزارين: إننا كنا ننتج 21 ألف سيارة في السنة.. في الوقت الذي كانت فيه صناعة السيارات.. هي أم الصناعات.. وكانت لدينا صناعة وطنية.. وكانت منتجاتها في متناول الشعب.. الذي يشعر بالانتماء للبلد. ويقول المهندس عادل جزارين: إن كل هذا الأمل قد تبدد.. عندما أصدر حسني مبارك قرار خصخصة شركة النصر وتسريح عمالها بالمعاش المبكر. وكان من الطبيعي أن توجه الدكتورة درية شرف الدين السؤال الذي يثير الولع والشغف.. ولا يعرف الإجابة عنه سوي رب السموات والأرض: هل كانت هذه السياسة متعمدة.. وعن قصد؟ أجاب الرجل الذي يعرف في الهندسة أكثر مما يعرف من أمور الشد والجذب: لا أستطيع أن أقول إنها كانت سياسة متعمدة.. بيد أن المؤكد أن قرار التصفية والبيع.. يصل إلي حد الأخطار الجسيمة، الفادحة! المهم.. ان النظام الإجرامي البائد أغلق كل أبواب الأمل في إيجاد مناخ يساعد علي خلق صناعات مكملة.. أو صناعات بسيطة نستوردها الآن من الصين.. ومن بينها فوانيس رمضان.. وشنط الإسعاف.. والمسدسات البلاستيك.. وسجاجيد الصلاة وملابس المحجبات والمنتقبات.. الخ. كل ذلك لا يهم.. المهم.. هو الجانب الاجتماعي للصناعة.. وهو ما تناوله إحسان عبدالقدوس في قصته القصيرة »مايوه.. لبنت الأسطي محمود« التي تكشف لنا التحول الاجتماعي.. الذي كنا نلمسه في تلك الأيام، من جراء الخطة الخمسية التي اعتمدت علي تحقيق ما كنا نطلق عليه في تلك الأيام »الثورة الصناعية«. بطل قصة إحسان.. هو الأسطي محمود.. العامل في أحد مصانع القطاع العام.. وتدور حياته كلها حول المصنع.. فهو يكره الجلوس في المقاهي ولا يحب الخروج إلي الحدائق.. ولم يتعود تبادل الزيارات.. واليوم الذي يقضيه في البيت يخنقه.. وكل ما يعرفه ويجيده ويهواه.. هو عمله في المصنع. وفي أحد الأيام قالوا له إنه فاز في القرعة التي تجريها اللجنة النقابية للعمال وعائلاتهم لقضاء عشرة أيام في شقة مفروشة استأجرتها اللجنة النقابية بالاسكندرية.. واللي تقع عليه القرعة ياخد عيلته.. ويروح ويصيف. وقبل السفر بعدة أيام اقتربت سميرة من أمها وقالت لها في دلال هامس: انتي مش حاتقولي لبابا يشتري لي مايوه؟ ونظرت دولت لابنتها في دهشة صارخة.. وقالت: انتي.. يا بنت عايزة تلبسي مايوه! وردت سميرة وعيناها جريئتان: وماله.. كل البنات بيلبسوا مايوه! وفكرت دولت قليلاً.. ثم قالت وذكاؤها الطيب الساذج يبرق في عينيها: طيب اسمعي.. أصل احنا لو فتحنا الموضوع ده لأبوكي.. دلوقتي.. هايعقدها.. ويمكن مانسافرش خالص. ولوت سميرة شفتيها في غضب!.. المهم انه بعد نقاش طويل.. استعرض فيه إحسان عبدالقدوس صراع الأفكار والتقاليد بين القديم.. وبين مواكبة الزمن.. علي أساس ان لكل عصر متطلباته.. وافق الأسطي محمود علي أن ترتدي ابنته سميرة.. المايوه.. واشتري مايوه آخر لابنته الصغري.. وجلس علي الشاطئ يتأملهما.. ودموعه علي خديه.. ونظرت إليه زوجته دولت في لهفة.. وقالت مذعورة: مالك يا اسطي محمود؟.. وقال الأسطي محمود وهو يمسح دموعه بكم قميصه: ولا حاجة.. افتكرت أمي! لقد كان التطور الاجتماعي.. الناجم عن الثورة الصناعية هو الحلم الذي اغتاله حسني مبارك.. وبعد أن كنا نحلم بصناعة سيارة وطنية.. أصبحنا نستورد فوانيس رمضان من الخارج.