من الخطأ الفادح أن نزايد علي عواطف الناس وأن نتلاعب بأحاسيسهم، شهداء التحرير دفعوا دما غاليا من أجل مصر ومن أجل حرية الوطن والمواطنين.. تصدوا بصدورهم العارية لبلطجية النظام السابق الفاسد وسقطوا بعد أن حققوا حلم الملايين في الخلاص. هؤلاء الشهداء العظام يستحقون كل التكريم والتبجيل والاحترام وقد كرمهم الله تعالي فهم ليسوا أمواتا وإنما هم أحياء عند ربهم يرزقون، هذا الفضل من الله أعظم وأبقي وأخلد وأثمن من أي تكريم يمكن ان تقدمه لهم الدولة أو المواطنون ولكن اللافت للنظر أن الكثيرين سواء من زبائن التحرير أو من مختلف التيارات السياسية التي تعج بها الساحة الآن تحاول ان تتاجر بأحزان هذه الأسر المكلومة وان تستغل هذه الأحزان لتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن النزاهة أو العدالة أو القصاص ودعونا نتأمل في الموضوع دون مزايدة ونفكر فيه بروية دون أن نتحول من منادين بالعدالة إلي ممارسين للظلم الذي خرجنا للقضاء عليه، والقضية التي أطرحها هنا هي قضية ضباط الشرطة.. هؤلاء الضباط فريقان.. فريق من القناصين الذين نشرهم النظام السابق وأذنابه في الداخلية فوق العمارات والبنايات المحيطة بميدان التحرير هؤلاء الضباط ومساعدوهم من القناصين تم نشرهم في تشكيلات معروفة بالاسم هؤلاء قاموا باقتناص الشهداء المتجمعين في التحرير وقتلوا من قتلوا وأصابوا من أصابوا، هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون وهؤلاء هم الذين يجب أن نقتص منهم وهؤلاء لا يمكن ان نقبل منهم مقولة انهم كانوا ينفذون الأوامر وأنهم »عبد مأمور« لا يمكن ان نقبل منهم ذلك العذر فلا عذر لأي ضابط أو مجند أو أمين يطلق النار علي أخيه حتي ولو صدر له الأمر من أعلي مستوي فهو في نهاية الأمر يملك خياره أن يترك بندقيته ويذهب إلي منزله ولكنهم.. ويؤسفني ان أقول ذلك - هم مجموعات تم اختيارهم في الأصل من عناصر معدومة الضمير وكان يشترط في اختيارهم أن تكون لديهم ميول إجرامية وألا يعرفوا الرحمة.. هذه كانت مؤهلاتهم وقد نفذوا الأوامر الصادرة إليهم بصدر رحب وتلذذوا باطلاق النار علي الأبرياء بل وأجادوا وأبدعوا في الاصابة ففي الوقت الذي كان بامكانهم فيه وببنادقهم الحديثة والمزودة بتلسكوبات متطورة أن يطلقوا الرصاص الحي علي الأرجل أو الأيدي فضلوا أن يصوبوا رصاصهم علي الرءوس والقلوب.. هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون وهم كما قلت معروفون وبالاسم ولكن لا أحد يهتم بما فعلوه بل ومازالوا في مناصبهم لم يعزلوا ولم يحاكموا بل ولم يقدموا للمحاكمة.. والقطاع الثاني من الضباط والأمناء والجنود هم تشكيلات أقسام الشرطة.. لقد فوجئوا بعشرات الآلاف من المواطنين غالبيتهم من البلطجية الذين لهم أقارب محتجزون في الأقسام لجرائم ارتكبوها وقد وجد هؤلاء في الثورة وفي الانفلات الأمني فرصة للهجوم علي أقسام الشرطة لتحرير أقاربهم.. الضباط ومساعدوهم وجدوا أنفسهم محاصرين بعشرات الألوف من المسلحين بالزجاجات الحارقة والأسلحة غير المرخصة.. ووجدوا انهم يتعرضون لهجوم كاسح وأنهم مقتولون لا محالة وكان الأمر الطبيعي هو الدفاع عن النفس واطلقوا الرصاص للدفاع عن أنفسهم وهو حق مشروع في جميع الشرائع وفي جميع القوانين وتصور نفسك في منزلك وهجم عليك عشرة أشخاص لقتلك وقمت أنت بقتلهم جميعا، جميع القوانين تمنحك البراءة.. ومن كل ذلك فمن الخطأ الفادح ان نخلط بين الأوراق.. ونقول ان معظم الذين هاجموا اقسام الشرطة لا يمكن ان نصنفهم ضمن الثوار وإنما غالبيتهم كما قلت هاجموا الأقسام لإخراج أقربائهم المحتجزين وهم بذلك مجرمون يحاولون تحرير مجرمين.. والذين دافعوا عن أنفسهم هم بكل المقاييس أبرياء فهم في مقر عملهم لم يخرجوا منه وهم تعرضوا للقتل المؤكد وهو أمر لا يحتاج إلي برهان أو دليل فجميع الفضائيات صورت ما حدث.. ونحن نخطئ في حق العدالة وفي حق الثوار وفي حق أنفسنا عندما نسمح بأن تختلط الأوراق وأن نسوي بين من تعرض للقنص في ميدان التحرير ومن سقط وهو يهاجم أحد أقسام الشرطة. ولله الأمر