التغييرات في المناصب القيادية والعليا، لم تعد خبرا مفاجئا في المملكة العربية السعودية،علي الأقل في السنوات الاخيرة، التي تولي فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مهام الحكم، وتحديدا منذ مبايعة الامير محمد بن سلمان وليا للعهد، حيث تشهد المملكة برنامجا إصلاحيا طموحا، وفقا لرؤية 2030، لايقتصر علي اقتصاد المملكة، وتنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد فقط علي النفط، ولكنه يمتد إلي تغييرات علي الصعيد الاجتماعي والسياسي، وحتي تطوير الخطاب الديني، ومن الطبيعي ان يتم اعادة النظر في القيادات الحالية، التي قد لاتتناسب مع طبيعة المرحلة،ولاتستطيع ترجمة أهدافها إلي إنجازات،والدفع بقيادات بديلة، قادرة علي التعاطي مع هذا المشروع، واختيار قيادات شابة قادرة علي الإنجاز، وتعي آليات التعامل مع المتغيرات الجديدة،ومن هذا المنظور يمكن فهم القرارات الاخيرة، والتي طالت قيادات من أمراء الأقاليم، والمؤسسة العسكرية والأمنية، وجهات أخري عديدة. واذا كانت جهات عديدة قد ركزت اهتمامها بالتغييرات في المؤسسة العسكرية، فان القراءة المتأنية لها تقول بان استبعاد قيادات منها كان محدودا،وإحالتهم إلي التقاعد، بل تم في الأغلب والأعم عملية تدوير لهم،واسناد مهام جديدة داخل المؤسسة، مما ينفي كثيرا من التحليلات والتخمينات،التي شابت القراءة المبتسرة لها،دون التوقف عند ملامح أخري في سلسلة المراسيم الملكية. ففي خطوة نادرة، تم تعيين تماضر بنت يوسف الرماح في منصب نائبة وزير العمل والتنمية الاجتماعية، لتكون بذلك أول سيدة تشغل منصب بهذا المستوي،في تعزيز لمكانة المرأه ووفقا لخطة لتمكينها اقتصاديا وإداريا، كما لم تتوقف تلك القراءات،عند مغزي تعيين السفير أحمد قطان وزير دولة للشئون الافريقية، وهو المنصب المستحدث لأول مرة. والكتابة عن تعيين أحمد قطان في مهمته الجديدة، هو حديث ذو شجون،فالقرار يمثل لي علي المستوي الشخصي خسارة حقيقية، بعد أن اقتربت من الرجل طيلة 13 عاما كاملة، منذ توليه في عام 2005 مسئولية مندوب المملكة في الجامعة العربية مرورا بجمعه بين هذا المنصب ومسئولية سفارة المملكة في القاهرة منذ فبراير 2011،وأشهد الله علي انه لم يرفض طلبا لنا في دار اخبار اليَوْم، والعاملين بها سواء صحفيين او إداريين او عمالا، في مجال تسهيل إجراءات العمرة والحج،او إيجاد حلول لأي مشاكل او عقبات،وبعيدا عن المستوي الشخصي في الموضوع،فنحن كمصريين سنفتقد قيمة وقامة دبلوماسية كبيرة،تمثل نموذجا ناجحا للدبلوماسية السعودية، خاصة وانه عمل في مهام تتعلق بالعلاقات السعودية الامريكية، من خلال وجوده كمساعد للأمير بندر بن سلطان، وأحد من أهم من تولوا مسئولية سفارة بلاده في واشنطن، كما أن أحمد قطان يمثل أيضا علامة بارزة في العمل داخل أروقة الجامعة العربية طوال 13 عاما كاملة،كان له إسهاماته في لجان العمل المشكلة لتطوير الجامعة العربية، كما تولي رئاسة وفد بلاده في قمتين عربيتين في دمشق 2008 وفِي بغداد 2012 نيابة عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز. اما إنجازاته علي صعيد العلاقات المصرية السعودية فحدث ولا حرج، خاصة أنه تولي المهمة في احد أعقد الفترات منذ فبراير 2011، بعد حوالي أسبوعين من خروج الرئيس الأسبق مبارك من السلطة،شهدت خلالها العلاقات نوعا من الاستقرار، بحكم استمرار مبارك في الحكم طوال 30 عاما، بينما السنوات السبع الماضية، كانت مصر علي موعد مع تغييرات درامية، كان لها توابع أزمات استطاعت جهود قطان والارادة السياسية للبلدين تجاوزها، ومنها قرار سحب السفير بعد احداث المحامي أحمد الجيزاوي، والعام الذي شهد حكم الاخوان، والاحداث مابعد 30 يونيو، حيث عاد الاستقرار إلي العلاقات،وجزء كبير منه يعود إلي جهود السفير قطان. وأتوقف عند تعيين أحمد قطان كوزير دولة للشئون الافريقية، فهو مؤشر يتجاوز فكرة تكريم القيادة السعودية لشخصه، علي نجاحاته طوال مسيرته الدبلوماسية، إلي ماهو أهم من ذلك بكثير، وهو استثمار نجاحات احمد قطان في مجال آخر، لتحقيق أهداف أخري، في ظل الأولوية التي يعطيها صانع القرار السياسي السعودي للقارة الافريقية، علي الأقل في السنوات الاخيرة، بعد تركها ساحة مستباحة للنفوذ الإيراني، حيث تشير الحقائق إلي استغلال طهران قضايا الفقر، واتساع مساحة هذه الدول؛ لخلق بؤر، وشبكات اقتصادية، وعلاقات حزبية، وثقافية تساعدها علي تنامي نفوذها، وذلك من خلال تقديم المساعدات، والمنح الدراسية عن طريق سفاراتها، وبعثاتها الدبلوماسية، ومكاتبها الثقافية، بغية تحقيق أهدافها الخبيثة وفِي مقدمتها نشر التشيع. وتكشف مؤشرات عديدة عن تحرك سعودي نشط في هذا المجال،وبدأت بتحديد استراتيجيتها في تحجيم إيران من خلال عدة محاور، أهمها مواجهة النفوذ العسكري الإيراني،ومكافحة الإرهاب، وكبح جماح سيطرة إيران الاقتصادية علي أسواق دول هذه المنطقة. وبالفعل قام وزير الخارجية عادل الجبير بزيارت إلي العديد من العواصم الافريقية، كما قدمت كل من الرياض وأبو ظبي مساهمات ودعما ماليا للقوات العسكرية المشتركة لدول الساحل لمكافحة الاٍرهاب، والتي تضمّ دول: موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو وتشاد. السعودية قدمت 118 مليون دولار، و35 مليون دولار من الإمارات. ويكشف تعيين أحمد قطان عن توجه سعودي، بتخصيص وزير يعني بالشأن الأفريقي، واختيار شخص نجح في كل المهام التي تم تكليفها به،أن السعودية تسعي للدخول بقوة في إفريقيا،وتعزيز وجودها في شتي المجالات،أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا.