[email protected] شهوة الكلام، كلمة حق قالها أحد الاحبة الطيبين في نائب له، كان إذا اطلق له العنان، لا يستطيع أحد أن يوقفه عن سيل الكلام الذي يأتي في النهاية بما لا يفهم العقل ولا ترضي الضمائر. يلف ويدور كأنه لا مبتدأ ولا خبر لديه، ونفس الشيء ينداح الان بشهوة غير مسبوقة في كلام فرغ من كل المضامين، وانتهي بنا إلي طريق يكاد يردينا جميعاً ويقضي علي الاحلام العظيمة التي صاحب أنطلاقها يوم إنطلاق إرادة الشعب وإجبار الحاكم المستبد علي النزول علي هذه الإرادة، التي راح في سبيلها آلاف من الشهداء والمفقودين - حتي هذه اللحظة - والمصابين الذين يبحثون لهم عن سبيل للتداوي وقد لا تمتد اليهم الأيدي إلا المخلصة منها، وسرت عدوي الكلام الفارغ وشهوته إلي قطاعات كثيرة ومؤثرة من مؤسساتنا التي تعاني من حالة تفكك وهزال، وكانت ترجو العمل الحاسم والسريع حتي ينقذها مما هي فيه، فإذا هي تبتلي بهؤلاء الذين كصاحبنا المصاب بشهوة الكلام بداع وبدون داع. ولم يكن الكلام بغرم كبير في العصر البائد طالما أنه بعيد عن الحاكم وأسرته، ولكن كان يذهب إدراج الرياح لأن الآذان كانت مسدودة والبال كان بعيداً تماماً عما يريده الناس ويتألمون من اجله، فقد استغرقنا الكلام واستغرقهم جمع المال ولم تلتق في أي لحظة الآمال مع الثروة والسلطان، فصار الأمر إلي ما صار اليه وورث الشعب حين قام بثورته أنقاض مؤسسات وأطلال بلد، كان دائماً قوياً وعزيزاً، فخانته الطغمة الحاكمة، وتركته في هذا الحال الذي يحتاج إلي عمل مضني حتي يعود الي عهده الامثل والاعلي. وأكاد أجزم أن »المكلمات« التي فتحت في كل مكان أدت بنا إلي طريق ملتو، ليس هو الطريق الذي نرجوه لصياغة الغد وإقامة الحياة الكريمة التي يستحقها شعب قام بمثل هذه الثورة، لقد جاء أناس من الماضي السحيق يقودون بنا المكلمات، فتاهت بهم وبنا، وأعادونا إلي الوراء، يوماً بعد يوم، فلم تكن الأعمال الواجبة والضرورية في حجم طوفان الكلام الدائر، وكأنه يرد الشعب الي التيه والضلال ويؤكد أن هؤلاء المشتاقين إلي شهوة الكلام قد أضروا بمصالح الأمة وأدخلوها في دوامات كثيرة ومتضاربة من التنظير الاجوف الذي لا يليق بخطورة المرحلة وحساسيتها لمصير الثورة المصرية، اتستمر؟! أم تنكص علي عقبيها ونخرج منها جميعاً خاسرين. لقد تسببت القرارات البطيئة في كثير من المشكلات، واظهرت عمق الشروخ التي أصابت مكونات العمل الوطني بعد أن تشكلت وتم تنقيتها علي مرتين، ولكن الواضح أن التنقية لازالت ناقصة وأن هناك مسئولين داخل السلطة التنفيذية لا يريدون لحكومة الثورة ان تنجح في عبورالمرحلة الانتقالية وساعدهم علي ذلك التردد والتخبط الذي اصاب القرار وهذه المحاولات المتكررة من رئيس الحكومة نفسه لاثبات أنه من الشعب ويشعر بآلامه ومشكلاته، ولكن الإعلام وضعه في مأزق شديد حيث تشير أصابع الريب إلي وضوح الافتعال والقصد فيما إذاعه خاصة موضوع وجبة الفول. لقد أوصلتنا »المكلمات« الي حالة من التشرذم والتفتت ولا أقول الانقسام، ونتج عن ذلك غيوم من فقدان الثقة قد حلقت في سماء ثورتنا، وضباب من الأقاويل والافتئات والدس والنميم، ومسافات اتسعت بيننا وبين من يقودون المرحلة الانتقالية. أحداث التحرير وحديث الديب من المؤكد أن الزميل معتز الدمرداش يتمتع بمصداقية وحب من الناس، وأننا جميعاً كنا في انتظاره لنشهد معه مصر الجديدة، لكن البداية قد اصابت الكثير بخيبة أمل خاصة هؤلاء من أهل شهداء الثورة الذين افزعهم كلام فريد الديب محامي الرئيس المخلوع، وجعلهم يرتابون في جدوي ما قدمه ابناؤهم من تضحيات غالية وصلت إلي الجود بأرواحهم في سبيل تحرير مصر. ما هذا الدفاع عن رجل تسبب في تقزيم مصر واضعافها وإركاسها في ذيل الأمم والشعوب.. ماهذا الدفاع عن فسدة أراقوا دم العزل الابرياء وهم يطالبون بحقهم في حياة كريمة يأباها مبارك وأسرته طيلة ثلاثين عاماً، وكأننا نعود لنقطة البداية، يخرج علينا المحامي في برنامج هو ملك الناس ليروج لبراءة مبارك وكان الاجدي به أن يترافع هذا الكلام في قاعة المحكمة ليرد عليه أهل الضحايا والنائب العام الذي أحال مبارك ورموز حكمه الفسدة الي محكمة الجنايات، وما كان لك يا معتز ان تترك (للديب) الحبل علي الغارب حتي يستفز الناس. دفتر اشعار الثورة بيني وبينك كان البعد يحتمل وكنت أقول في نفسي أعود فيسطع ثم يختفي الامل وحين أتيت يقودني شوقي إلي »التحرير« جاءني الأجل أخذت أنادي.. يا بلدي.. فمصر اليوم بالشهداء تكتحل