إذا كنّا في السادس من أكتوبر قد عبرنا فوق قناة السويس لنحررها من المحتلين فإن أنفاق سيناء تحت قناة السويس عبور ثان هزني ابن الشهيد أحمد المنسي وهو يمشي بخطي ثابتة ليفتتح كوبريا يحمل اسم والده. وتذكرت والده البطل وكيف حرص الرئيس أن يقدم ابنه ليتصدر المشهد وليعلن لمصر كلها أن مصر لا تنسي أبناءها وأن دلالة ملابس ابنه العسكرية أن الطفل سيكبر وسيمضي علي نهج والده، ألم أكتب هنا من قبل : يا أحمد المنسي احنا اللي منسيين وانْت مش منسي كوبري أبانوب جميلة مصر وهي تطلق إشارة البدء الفعلي لتشغيل كوبري الشهيد أبانوب جرجس ابن مدينة القنطرة وهي رسالة لهؤلاء الذين يشعلون حرائق الفتن في الوطن أن المواطن المصري أبانوب الذي قُتِل في سيناء لا تنساه مصر ولا تفرق بين أبنائها. لقد تآلفت مصر في السادس من أكتوبر فحبذا لو تكاتفنا جميعا للقضاء علي المفسدين في الأرض قتلة المصلين في المساجد والكنائس وقتَلة الأبرياء وقتلة خير أجناد الأرض. العبور تحت قناة السويس إذا كنّا في السادس من أكتوبر قد عبرنا فوق قناة السويس لنحررها من المحتلين فإن أنفاق سيناء تحت قناة السويس عبور ثان لإنقاذ سيناء وتحريرها من الإرهابيين والفراغ لتكون امتدادا يابسا بين قارتين ولتلتحم يابسة وادي النيل ويابسة سيناء ولا يخفي علي عاقل كيف ستساعد هذه الأنفاق مصر اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وسكانيا. عمار يا مصر إِرِشْ فريد يفضح إسرائيل »علمَتني الحياة ألا أفهم شيئا، وإنني لا أستطيع أن أتعلم منها شئيًا، بيد أنه يجب عليَّ أن أتعلم كلَّ الأشياء من ذاتي ومن الموت!!». بهذه الكلمات يُلخص الشاعر الألماني إِرِش فريد Erich Fried نظرته صوب الحياة والموت معتركا في تلك الحياة مالا يُقاسيه إلا الذين وهبوا حياتهم للمبادئ السامية. تذكرتُ هذا الشاعر الذي زلزل أوربا بديوانه الأشهر »اسمعي يا إسرائيل» وأنا أشاهد ترامب وهو ينقل سفارته للقدس الشريف وكأنه بلفور الجديد، ولو قرأ ترامب ماكتبه هذا الشاعر اليهودي لأدرك حُمق قراره وحماقته. وقد وُلد إِرِش فريد في فيينا في عام 1921 ولم يكد يبلغ السابعة عشرة من عمره حتي أخذ النازيون والده وسجنوه، وبعد أربعة أسابيع من التعذيب والتنكيل أرجعوه إلي بيته، ولم يكد الوالد يدخل البيت حتي ضمَّ ابنه وزوجه إلي صدره ثم فارق الحياة؛ وبداهة لم تكن تلك اللحظة لحظة خاطفة في حياة »إِرِش فريد» وإنما تركت لديه أثرا نفسيا سيئا صاحبَه حتي وفاته في 22/11/1988 فقد أحس بالظلم الذي خلق في نفسه حقدا ضد النازيين وأشباههم كالصهاينة. وفي عام 1938 استطاع أن يأخذ أمه ويهرب إلي لندن ويعيش هناك ليلتحق بعد ذلك بمؤسسة B.B.» كمعلق، وفي عام 1944 ينشر ديوان DEUTSHLAND »ألمانيا» وفيه يُنادي بأعلي صوته مطالبا بالثأر من النازيين، وقد نشر طوال حياته أكثر من اثنتين وعشرين مجموعة شعرية، ونال الكثير من الجوائز مثل ميدالية OSSIE)KY في عام 1987 وفي العام نفسه مُنح جائزة BU»HNEک أيضاً. وقد توالت أعماله،ولم تكن حياة إِرِش فريد كما مر بنا منذ نشأته في فيينا ثم في لندن وأخيرا في المانيا سوي حياة روح متعبة تبحث عن الإنسان، وصوت معبر عن المظلومين والمطحونين في كل مكان بالعالم. إذ إنه استطاع بدهاء شديد أن يجعل من حروف قصائده منظومة للفقراء وسيلا جامحا ضد الظالمين، مؤمنا أن العدل هو الأبقي حتي تبقي تلك الحياة، ولذلك عبر كثيرا عن المظلومين في شيلي، وفيتنام، وجنوب إفريقيا، بل عن الفلسطينيين كصوت أزعج الصهيونية العالمية كما سنري فطاردوه والنازيون معا مهدرين دمه!!. وحتي موته ظل إِرِش فريد نصيرا للحرية، بيد إنه لمرضه في سنواته الأخيرة بالسرطان ما جعل قصائده تمتزج بظلال الموت، حتي راحت قصائده الأخيرة تذكرنا ببدر شاكر السياب في مستشفيات لندن والكويت وهو يكتب »منزل الأقنان» وغيره من القصائد، وتذكرنا بنفس الشفافية والأحاسيس التي كان يكتب بها أمل دنقل ديوانه الأخير »أوراق الغرفة 8» في حجرته بمستشفي معهد السرطان بالقاهرة إذ إنهم رأوا الموت ظلا يطارد أرواحهم، يتواري خلف الأقنعة التي سرعان ما تتفتت قناعا، قناعا، ويبدو بوجهه أمامهم حقيقة لا مناص منها. ولم يكد ينشر ديوانه HOکE،ISکAEL »اسمعي يا إسرائيل» في عام 1983 منددا بتلك الوحشية الصهيونية علي نحو ما سنري في القصائد التي ترجمتها كنماذج لمعاناة هذا الشاعر المريرة لما يقاسيه الفلسطينيون من تعذيب وتنكيل، لم يكد إِرِش فريد ينشر هذا الديوان حتي اتهمته الأوساط السياسية في ألمانيا بمعاداة إسرائيل. ولكنه لم يخف بل صرخ في وجوههم »اغربوا يا أحفاد هتلر، وكفاكم ما فعلتموه من قبل بالأنبياء» بل إنه في ديوانه »اسمعي يا اسرائيل» يقول في مفتتح مقدمته (هذا الديوان صوت ضد الظلم الذي يقع علي الفلسطينيين )... ثم يختم المقدمة بقوله: »إن وقوفي مع الحق الفلسطيني لن يتبدل أبدا» ويذكّر اليهود في قصائده بما جري لهم في أوروبا وما يحاولون أن يفعلوه مع الفلسطينيين الآن ملوحا لهم إن التاريخ لن يغفر لهم تلك الوحشية، ويحصي في قصيدته »قليل منكم» أفعالهم في دير ياسين، وكفر قاسم، وبحر البقر، وأبي زعبل، ونهلا البريج، ولبنان، وصابرا وشاتيلا، ثم يسخر منهم في نهاية القصيدة قائلا: »وبعد ذلك تقولون: الفلسطينيون إرهابيون.. أي إرهاب يعادِل ما تفعلونه؟!». ولعل قصائد إِرِش فريد ضد النازيين والصهاينة وأشباههم هي التي جعلته يحتل مكانة سامية في قلوب قرائه، والمتأمل في قصائد إِرِش فريد يلمح فيها تمكنه من أدواته الفنية بشكل واضح، كما أنه كان يلجأ إلي المراوغة اللفظية، وأحيانا يلجأ إلي تراص الكلمات في نص لغوي منسق، يكشف في معانيه عكس ما تظهره لك الألفاظ ! ونلحظ أن الصورة الشعرية لم تكن من أدوات إِرِش فريد ولا يبحث عن زخرفتها وإنما قد تأتي عرضا، ولكنه لا يسعي إليها. ومن العجيب أن هذا الشاعر لم يأخذ شهرته في العالم العربي كما ينبغي أن يكون لأنه كان صوتا يخشاه الصهاينة ويقلق مضاجعهم وهو يصرخ في أوروبا وأمريكا.. »كفي لا تساعدوا هؤلاء القتلة» ثم يستدير نحوهم »ولكنكم قتلة أيضا». وكم فَقَد العالم بموته شاعرا من آخر الشعراء الألمان الكبار، شاعرا كان الحق ضالته، كان يبحث عن الإنسان في الإنسان، ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يقيم علي هذه الأرض مملكة العدل. حفنة كلام يا قوم: غربلوا المناهج جاءني طالب قائلا: كيف نهنيء المسيحيين بأعيادهم وقد قرأت فتوي بالتحريم، وأحضرها لي: »تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، يقول ابن القيم - يرحمه الله - في كتاب »أحكام أهل الذمة» »وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدْر للدين عنده يقع في ذلك،ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه». انتهي كلامه. مَن يستطيع أن يغربل هذه الفتاوي، وأن يوضح سياق أزمنة هذه الفتاوي وصلاحها لعصورها أو فسادها؟ ومن يقول لهؤلاء: كفُّوا عن إشعال النار، ولكم في زيارة فضيلة الإمام الأكبر لنيافة البابا مهنئا خير رد علي هؤلاء وأولئك، ولمسيحيي العالم : كل العام أنتم بخير يا أتباع سيدنا المسيح والسيدة مريم العذراء، »المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وفي الناس المسرة»... الشاعر فتحي عبدالسميع : من الأسماء الشاعرية التي حرّكت جمود الحركة الشعرية في مصر وأسهم في تنمية ونشر التنوير بين الشباب ولا سيما في الصعيد الذي خبَره وأنتج لنا ملحمة نقدية عن الثأر في كتابه الذي حلل هذه الظاهرة تحليلا نقديا واجتماعيا وقد وصل كتابه هذا إلي القائمة الطويلة بجائزة الشيخ زايد للكتاب، الشاعر فتحي عبد السميع..سلامتك يا رجل أيها الصديق النبيل. أمنياتي في 2018 : أتمني أن يعود طلبة الصف الثالث الاعدادي والصف الثالث الثانوي إلي فصولهم بالمدارس وأن يجدوا مدرّسين يشرحون لهم مناهجهم دون أن يغيبوا أو يؤمروا بالغياب! أتمني أن يتولي مؤلّفو الكتب الخارجية تأليف كتب الوزارة المقررة علي تلاميذنا وطلابنا وأن تُقرر الكتب الخارجية علي الطلاب حتي لا يشتري الطالب كتابين في المنهج الواحد. أتمني أن نجد القطار السريع بين الاسكندرية وأسوان حتي لا يضيع الناس أعمارهم في المواصلات. أتمني أن أري مليونا من الشباب يعملون في المثلث الذهبي وقد تحول إلي مستطيل ذهبي يحمل الخير لمصر. أتمني أن ننشئ في الظهير الصحراوي عشرات المصانع التي تستوعب شبابنا بدلا من السهر في المقاهي ليلا والنوم نهارا. أتمني أن يذهب مليون مصري ليعيشوا في سيناء وسط مصانعهم وشركاتهم وبذلك نعمّر سيناء ونطرد هؤلاء الإرهابيين. أتمني أن أجد مصر نسيجا واحدا تجابه التحديات والمخاطر المحدقة بها دون تشرذم أو انشقاق يفيد أعداءنا. أتمني أن يتوقف دعاة الفتنة والمنافقين والمتجالسين علي الحواف عن بثّ سمومهم في أوساط الشباب. أتمني تعود الطبقة الوسطي عِماد الدولة وأن يتوقف الُمحتكرون للسلع عن جشعهم أو تتم محاكمتهم محاكمة عاجلة حتي يكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه سرقة شعب مصر. في النهايات تتجلي البدايات »ولتعْلمْ: إنَ مَا أنتَ سَاعِ إليِه هو سَاعِ إليِك». جلال الدين الرومي