• عبد الله: عجزت عن تسويق اختراعي لمادة توفر 200% من تكلفة تلميع الرخام • محمود : ابتكاري فاز بالمركز الأول في روسيا .. وتجاهلوني في بلدي الخبراء: مطلوب مشروع قومي لدعم الابتكار وتفعيل التعاون مع المستثمرين آلاف الاختراعات والاكتشافات والتطويرات في مختلف المجالات سنوياً للحصول علي »براءة اختراع» .. وما بين الطالب والخبير والمتخصص والهاوي، يحصل المئات منهم فقط علي موافقة لتسجيل طلبه والحصول علي »براءة» تمكنه من الحفاظ علي حقوقه العلمية والفكرية، ومن بين هذه »المئات» من البراءات لا يري »النور» سوي القليل فقط، بعد أن تجد من يتبناها لتنفذ علي أرض الواقع، أو يسعي صاحبها بجهد فردي ليتمكن من توفير دعم مالي يعاونه علي تطويرها. وخلال العام الماضي منح مكتب البراءات المصري 450 براءة اختراع، تنوعت بين البراءات في مجال الاحتياجات الإنسانية والكيمياء والفلزات والتشكيل والنقل، كما منح خلال عام 2015 نحو 472 براءة اختراع، وقبلها المئات والمئات من البراءات، التي وإن كانت تحصل علي »صك» الاعتراف، إلا أن ذلك لا يعني أنها تحصل علي »شهادة ميلاد» لينتفع بها المجتمع، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات أبرزها أين تذهب هذه البراءات ؟ .. ولم لا يري معظمها النور؟ وما هي المعوقات التي تحول دون ذلك وكيف يمكن التغلب عليها ؟ .. نحاول في السطور التالية الإجابة علي هذه التساؤلات.. بدأت جولتنا في البحث عن اجابات لتساؤلاتنا بمكتب براءات الإختراع بأكاديمية البحث العلمي، والمنوط به توفير الحماية القانونية لكل من براءات الاختراع وشهادات المنفعة وذلك طبقاً للقرار رقم 82 لسنة 2002 والاتفاقيات الدولية المعقودة مع كل من باريس والتريبس والتعاون الدولي ، فيعد المكتب هو الجهة الأولي التي علي كل باحث التوجه له لتسجيل بحثه أو اختراعه لضمان حقه المعرفي والعلمي . أنواع البراءات علي عكس ما يعتقد الكثيرون فبراءات الاختراع لا تمنح لكل اكتشاف جديد، فهي حق استشاري يمنح نظير اختراع يكون إما منتجاً جديداً، أو تحديثا وتطويرا في منتج أو عملية تتيح طريقة جديدة لإنجاز عمل ما، وتكفل البراءة لمالكها حماية اختراعه لمدة 20 سنة فقط من تاريخ إيداع طلب البراءة، وطبقاً لذلك يحق لمالك البراءة أن يقرر من الذي يجوز له من ومن لا يجوز له الإنتفاع بالبراءة خلال مدة الحماية، كما يمكنه بيعه بعد انتهاء مدة الحماية، ويشترط للحصول علي البراءة أن يكون موضوع الاختراع لم يسبق نشره أو الإعلان عنه، وتكون الفكرة قابلة للتطبيق في الصناعة ولا يكون بديهياً للمتخصص في نفس المجال.. ولعل السؤال الأبرز لدي الكثيرين ممن لديهم اكتشاف أو تطوير جديد يرقي لأن يحصل علي براءة اختراع هو »كيف يمكن أن نحصل علي براءة اختراع ؟! وهل الإجراءات المطلوبة صعبة وروتينية أم بسيطة وسريعة؟!». لا تختلف اجراءات التسجيل والتقديم كثيراً بين الدول وببعضها، فعادة ما يستغرق الأمر من الإيداع إلي منح البراءة نحو 12 إلي 18 شهراً.. أما عن الجهة التي نحصل منها علي البراءة، فيختص كل من المكتب الوطني للبراءات أو المكتب الإقليمي الذي يعمل لصالح عدة بلدان، مثل المكتب الأوروبي للبراءات والمنظمة الإقليمية الأفريقية للملكية الفكرية منح براءة الاختراع، وبناء علي تلك الأنظمة الإقليمية، يلتمس مودع الطلب حماية الاختراع في بلد واحد أو أكثر ويبتّ كل بلد في منح الحماية بالبراءة في أراضيه من عدم منحها، كما تجيز معاهدة التعاون بشأن البراءات التي تديرها »الويبو» لمودع الطلب الذي يلتمس الحماية، أن يودع طلبا واحدا ويلتمس الحماية في العدد الذي يراه مناسبا من البلدان الموقعة.. للحصول علي براءة اختراع هناك نحو 4 مراحل يمر بها مقدم الطلب، تبدأ من تقديم طلب محلي أو طلب في إطار معاهدة باريس أو معاهدة pct، وإذا تم قبوله يحصل مقدم الطلب كافة الرسوم المقررة ،أما المرحلة الثانية فتختص بها ادارة الفحص القانوني وإدارة الوثائق كما يتم خلالها النظر في التظلمات المقدمة، وعقب ذلك يدخل الطلب للمرحلة الثالثة بعد سداد كافة الرسوم فيخضع للفحص الموضوعي من حيث الجدة والابتكارية والتطبيق الصناعي ، وأخيراً يدخل الطلب في المرحلة الرابعة لتقديم المطبوعات كاملة لتخضع للفحص الفني مرة أخري ويعقبها إصدار البراءة ورقمها وشهادتها. معاناة طويلة كما ذكرنا من قبل فالمئات يتقدمون سنوياً للحصول علي براءة إختراع، لكن ماذا بعد هذه الخطوة ؟! وما الذي يحدث للآلاف من الاختراعات التي ملأت أرفف المكاتب الحكومية علي مدار السنوات الماضية .. بحثنا عن الإجابة فوجدنا واقعا مخيبا للآمال، فغالبية الأبحاث والاختراعات المسجلة مازالت حبيسة الأدراج لم تر النور، بعد غياب آلية محددة تحقق الاستفادة منها، وتبعاً لذلك وجد أصحاب هذه البراءات أنفسهم أمام روتين مصري يحطم آمالهم في رؤية جهدهم ينفذ علي أرض الواقع، خاصة مع فشلهم في الوصول إلي مصدر تمويل رسمي أو حتي خاص.. قابلنا خلال جولتنا عددا من المخترعين ممن حصلوا أو سجلوا براءات اختراع مصرية، وبدايتنا كانت مع عبدالله أحمد عبدالله 50 عاما، والذي تمكن من تسجيل براءتي اختراع خلال الفترة من 2004 إلي 2016، وكلاهما يصب في خدمة صناعة الرخام المصري، بل ويوفر نحو 200% من التكاليف والجهد المبذول، إلا أن عبدالله مثله مثل العديد من الباحثين والمخترعين لم ير اختراعه النور، ولم يتمكن من تنفيذه وتحقيق الفائدة المرجوة منه.. ويقول عبدالله عن رحلته من أجل أن تري أبحاثه النور:» بذلت مجهودا كبيرا في المرور بكافة الخطوات المطلوبة للحصول علي البراءة، ومن بعدها بدأت رحلة معاناة فلم يقدم لي أحد يد العون، فلا وزارة الصناعة ترعي اختراعاتنا، ولا تساعدنا أكاديمية البحث العلمي في الوصول لرجال أعمال أو مصانع حكومية، فتكتفي الدولة بوضع مجهودنا داخل أدراج دون الاستفادة منها أو محاولة استغلالها لنفع الاقتصاد المصري».. ويضيف أن اختراعه الأول كان لمادة توفر 200% من تكلفة ووقت والمجهود المبذول في تلميع الرخام، وبالفعل تمكن من تصنيع كميات بسيطة جداً للسوق الداخلي، إلا أنه لم يتمكن من الاستمرار نظراً لعدم وجود تمويل كافٍ فذهب إلي أحد المصانع بسيناء إلا أن المسئولين رفضوا إعانته، أما الاختراع الثاني فكان لرخام مضئ بألوان مصنعة خصيصاً لمزجها بالرخام الشفاف لتبدو وكأنها إضاءة طبيعية، وهو ما لاقي إعجاباً وإهتماماً كبيراً من المصنعين خارج مصر، لدرجة أن أحد مصنعي الكويت تواصل معه إلا أنه وضع شرط أن ينتقل للكويت وهو أمر كان من الصعب تحقيقه نظراً لوجود عائلة تعتمد علي وجوده بمصر. إهدار للجهود ويشير إلي أن الطريقة التي يحصل منها علي الرخام الشفاف لا تكلفه سوي من 250 إلي 300 جنيه للمتر، بينما نستورده من دولة »باكستان» بنحو 3 الآف جنيه، وهو ما يعني إهدارا كبيرا لمجهود وأفكار مصرية من شأنها المساهمة في الصناعة والإقتصاد، ويوضح أن من المفترض ألاّ تدفع الدولة المخترع للانشغال بكيفية تنفيذ اختراعه، بل تساهم هي بدورها في توفير تمويل أو تتبني أو تشتري الاختراع لتنفيذه فيما بعد ، فعملية شغل المخترع بالبحث المضني عن ممول تعيقه عن اكمال حياته الطبيعية وتبعث اليأس والإحباط في نفسه.. ويري عبد الله أن الأمل الوحيد خلال السنوات القادمة أن تطلق القوات المسلحة مشروعاً لتبني هذه الإختراعات ،وتحولها لمشروع قومي يهدف لنهضة مصر إقتصادياً، فهي الجهة الوحيدة التي تنفذ وبشكل سريع . أين الميزانية؟ أما محمود المالكي، خريج مدرسة تكنولوجيا المعلومات، والذي تمكن من تسجيل 4 براءات اختراع، فيؤكد أن هناك سلسلة من المشاكل التي تقف أمام كل مخترع أثناء وعقب تسجيل اختراعه، وأولها هوعدم وجود أي دعم مادي من قبل الدولة له، ويضيف أن كل ما نسمع عنه من ميزانيات للبحث العلمي لا نراه علي أرض الواقع، فلم أر باحثا تمكن من تنفيذ خط إنتاج يعتمد علي اكتشافه، بل كل ما نراه هو أموال تصرف علي المسابقات التي تكون نتيجتها شهادات تقدير أو جوائز مادية لا تتناسب مع ما تم صرفه علي النموذج الأولي للمشروع، ويشير إلي أنه علي الدولة إعادة التفكير في طريقة صرف ميزانية البحث العلمي بالشكل الأمثل وفقاً لما يصب في مصلحة البلد وأبنائها المخترعين، وبنبرة تملؤها الأسي أكد المالكي أنه تخيل وللوهلة الأولي عند تسجيله لأول إنه سيلقي إهتماما من الدولة ورعاية له إلا أنه صدم بمصير كل اختراعاته. أبواب مغلقة ويوضح المالكي أنه بالرغم من تحقيق اختراعاته لمراكز متقدمة داخل وخارج مصر إلا أن جميعها لم ير النور، ومنها اكتشافه لطريقة لتعطيل الصاروخ بواسطة الشعاع، والذي حصل علي مركز أول في أحد المسابقات المقامة بروسيا، بجانب اختراعه لأداة أمان تثبت بوسائل المواصلات للحد من الحوادث، إلا أن مشروعه الأخير هو ما لاقي تقديرا كبيرا خارج مصر، فاخترع جهاز تكييف متحرك يغطي مساحة الشخص كلياً أثناء السير وأطُلق عليه »الشمسية المكيفة»، فحصل من خلاله علي مركز أول بروسيا ومركز ثان بكل من كوريا وتايلاند، إلا أنه بمصر لم يجد سوي الأبواب المغلقة أمامه، فالبرغم من مقابلته لكل من د. أشرف الشيحي وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، ود. أحمد الجيوشي نائب وزير التعليم للتعليم الفني، ود. محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي، إلا أنه لم يستفد بأي مقابلة منهم فلم يتم معاونته أو تشجعيه بأخذ خطوات لتنفيذ مشروعه، وما كان يقال له أن هنا قوانين محددة ونظام معين تسير عليه كافة الوزارات، ويضيف أنه خلال عدة سنوات لم يستطع سوي تنفيذ 80% من »النموذج الأولي» لمشروعه إلا أن ذلك كان بأقل المواد والخامات لذا فهو بحاجة ماسة إلي ممول أو راع له حتي لا يضيع مجهود سنوات طويلة، مناشداً الوزارات المختلفة بالنظر لهؤلاء الشباب ورعاية طموحاتهم حتي لا يستغنون عن البلاد في أول فرصة تتاح لهم بالخارج. أما محمد جمال المخترع الصغير كما يطلق عليه، فبالرغم من حصد اختراعه المركز الأول بعدد من المسابقات وظهوره بشكل واسع علي الفضائيات وال»السوشيال ميديا» إلا أن قصته مختلفة قليلاً فأصر محمد علي عدم السعي حثيثاً وراء الحصول علي براءة الإختراع، فأوضح قائلاً » وصلنا إلي مرحلة نستطيع أن نقول فيها أن الدولة حتي الآن لم تستطع الإستفادة من شبابها، فمجهودنا لتصميم اختراع جديد وما نكفله من تعب مادي وذهني لا نجد من يقدره، وهو ما رأيته بعيني في أكثر من مناسبة . فرصة بالصدفة ويضيف محمد أنه قرر الاعتماد علي مجهوده الشخصي في محاولة الوصول لممول لمشروعه الذي يتلخص في تطوير »طائرة صغيرة» تقوم بأعمال النظافة لواجهات الشركات والمصانع دون الحاجة للعمالة البشرية أو التكلفة المادية الحالية، دون إنتظار أي دعم من الدولة بعد ما رآه من إحباط ويأس في أعين المخترعين من حوله، لذا لجأ لل »سوشيال ميديا» ومن خلالها ظهر في أكثر من 9 لقاءات تلفزيونية، إلا أن الفرصة لم تأتيه إلا بالصدفة الكبيرة، فيشير محمد إلي أنه خلال إنتظاره للخروج علي الهواء بأحد القنوات تصادف وجود رجل أعمال معه في نفس القاعة، وبعد حوار قصير أصر رجل الأعمال علي مساعدة المخترع الصغير، إلا أن المساعدة في هذه الحالة جاءت مختلفة تماماً.. ويوضح محمد أن رجل الأعمال أصر علي إنضمام المخترع الصغير لشركته بالرغم من صغر سنه، للإنضمام لفريق العمل علي عدة مشروعات من ضمنها مشروعه الخاص، ليتم عرضهم كمجموعة كاملة في أحد الدول الأوروبية. حلقة وصل تشير د. ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، أن مشكلة براءات الاختراع تكمن في عدم وجود مستثمر أو ممول يقوم بتبني تصنيع الاختراع، وأنه لابد من وجود اتصال مع الشركات والمصانع وهذا الدور علي أكاديمية البحث العلمي القيام به، فهي حلقة الوصل بين المخترع والمستثمرين لتسويق الاختراعات وإنتاجها، فثقافة التسويق لدينا ضعيفة وعلي هيئة بعينها أن تقوم بهذا الدور.. وتضيف أنه علي الأكاديمية بحث كيفية التخلص من تلك المشاكل والمعوقات، والتي تنقسم لنوعين من المعوقات أحداهما مادي، والآخر يكمن في فقدان الثقة من الجهة الصناعية حيث تنعدم ثقة المُصنعين في المنتج المُراد تصنيعه، بسبب تخوفها من جدية العائد المادي من ذلك الاختراع، ولفتت إلي ضرورة تسهيل تلك المعوقات عن طريق عمل مشروع قومي للابتكارات وأن يكون به عدد كبير من المستثمرين لتسهيل تسويق تلك الاختراعات. وتوضح أن علي الإعلام المساهمة في حل تلك المشاكل مع الجهات البحثية والأكاديمية ، من خلال دوره في نشر ثقافة الأبحاث العلمية وبراءة تسجيل الاختراع، لحاجتنا إلي دعم ثقافي وتبني هؤلاء المخترعين وتسويق مخترعاتهم وتعريف الناس بها.