هذه أفكار أمام ستوديو مصر لزيادة موارده ودعم الحركة السياحية وترويج ثقافة السينما بالتعاون مع وزارة السياحة أردت الحصول علي بعض المعلومات عن »ستوديو مصر» وهو أكبر وأقدم ستوديو سينمائي في مصر مازال يعمل، لجأت إلي الأخ »جوجل» فقدم لي معلومات عن مطعم ستوديو مصر في مدينة مصر الجديدة. إنه نوع من تنويع مصادر الدخل وتوزيع الاستثمارات في مجالات مختلفة مشروعة علي طريقة النعي الذي نشره أحد اليهود المصريين في صحيفة مصرية »كوهين ينعي ولده ويصلح ساعات». بعد اللتي واللتيا وخرائط المطاعم وآكلاتها عثرت في »جوجل» علي ضالتي »ستوديو مصر» الاستوديو وليس المطعم. هذا الاستوديو أسسه الاقتصادي المصري الشهير طلعت حرب في عام 1935 برأسمال مصري مائة في المائة، وكان تابعاً لشركة مصر للتمثيل والسينما التي أنشأها أيضاً طلعت حرب الذي كان يؤمن أن تجديد الاقتصاد في مصر لن يتم إلا إذا ازدهرت الثقافة والفنون.. وليس البطون. وكان أول أفلام ستوديو مصر »وداد» من بطولة أم كلثوم ولاقي نجاحاً ساحقاً. اليوم، انتشرت الاستوديوهات السينمائية في القاهرة، التي أصبحت منذ الأربعينيات عاصمة السينما العربية والأفريقية، وتحولت السينما إلي صناعة كبري، فضلاً عن فن متميز يشكل هذا الذي ندعوه بلغة هذه الأيام »القوة الناعمة» إلي جانب المسرح والغناء والموسيقي والأدب والمهرجانات الثقافية والفنية والصحف والمجلات والإذاعة والسياحة والآثار والفولكلور الشعبي. »يونيفرسال» مزار سياحي عالمي في الولاياتالمتحدة تعتبر شركة »يونيفرسال» واحدة من أقدم شركات صناعة السينما في هوليوود، إذ تأسست في عام 1912، وتبعتها شركة »فوكس للقرن العشرين» و»كولومبيا» و»وارنر بروس» و»بارامونت». وحين أرادت »يونيفرسال» تنويع مصادرها المالية لم تخرج عن دائرة اختصاصها بإقامة مطاعم أو فتح كافيهات، لكنها لجأت إلي تحويل الاستوديوهات نفسها التي يعمل فيها نحو عشرة آلاف شخص إلي مزار سياحي فريد هو الأول من نوعه في العالم. لقد زرتُ هذا المَعلم السياحي في عام 1978 وأذهلني ما رأيت خلال جولة بعربات متحركة شاهدنا فيها جانباً من ستوديوهات التصوير وشرحاً عن الخدع السينمائية وإطلالة علي المنازل التي تم فيها تصوير أشهر أفلام الشركة علي مدار تاريخها. وفي جوانب من الجولة انهارت علينا الصخور من الجبل، لكنها كانت صخوراً مطاطيةّ! وانشق البحر لتغوص فيه العربات التي تنقلنا وسط ذهول وسعادة السياح من كل الجنسيات. ووقفنا ممسكين بسياج معدني في إحدي القاعات ذات شاشات رباعية الأبعاد، تهتز بنا ذات اليمين وذات الشمال مع فيلم كنا جزءاً منه، حيث ركبنا نظرياً في سيارة إطفاء مسرعة تشق طريقها وسط قطيع كبير من الخراف! كان ذلك قبل أربعين عاماً تقريباً، ومن المؤكد أن العربات القديمة التي أقلّتنا آنذاك تحولت اليوم إلي مركبات فضاء تحاكي تطورات العلم والتكنولوجيا ولا تقف عند حدود العربة الخشبية التي يسحبها حصان هَرِم بينما يجلس علي متنها الموسيقار عبد الوهاب وهو يغني »إجري إجري إجري.. وصلني قوام وصلني»! لاحقاً أضافت »يونيفرسال» إلي خدماتها فنادق ومطاعم و»كافيهات» تقع كلها داخل مساحتها وليس في مناطق مختلفة من هوليوود أو لوس أنجلوس. واحتفظت الشركة بأزياء النجوم في أفلامها القديمة، ويُتاح للسياح مشاهدتها في متحف خاص يمكنك أن تزوره ضمن سعر التذكرة التي يصل ثمنها إلي مائة دولار أو أكثر أو أقل حسب المواسم السياحية وعروض التخفيض للمجاميع. مصر القديمة تنتقل إلي سنغافورة ومثلما فعلت شركة »والت ديزني» بافتتاح فروع لها في باريس وطوكيو ومدن عالمية أخري، افتتحت »يونيفرسال» فروعاً لها في كثير من دول العالم من بينها فرع سنغافورة الذي يزوره سنوياً ملايين السياح. وهذا الفرع حرص علي إقامة جناح خاص لمصر القديمة، إلي جانب أجنحة لهوليوود ونيويورك والعالم المفقود والمستقبل، وستنقلك هذه الأجواء إلي أماكن حقيقية أو خيالية صورت فيها بعض أفلام شركة »يونيفرسال». أما جناح مصر القديمة فيضم مجسمات للأهرام والتماثيل الفرعونية والمومياء ومتاهة للأطفال لاكتشاف كنز فرعوني! »بوليوود» سلطانة سينما الترفيه وتلقف الهنود، كالعادة، الفكرة وحولوها إلي واقع في مدينة السينما الهندية »بوليوود»، ولكنها ليست تابعة لشركة »يونيفرسال» الأمريكية وإنما تابعة لأكبر ستوديوهات الهند »فيلم سيتي» حيث تنظم جولات للسياح الأجانب والهنود داخل بوليوود لتعريفهم بصناعة السينما الهندية المزدهرة جداً إلي درجة افتتاح دور سينما في الولاياتالمتحدة تعرض الأفلام الهندية فقط تنافس الأفلام الأمريكية في عقر دارها! يزور السياح مواقع تصوير الأفلام داخل وخارج الاستوديوهات بالإضافة إلي مشاهدة تدريبات الرقص والغناء، وهما المادة الأساسية في كل فيلم هندي، حتي أن عدد الأفلام الهندية التي لا تتضمن رقصاً وغناءً يُعد بالأصابع لندرتها. بالإضافة إلي تعريف الزوار بالخدع البصرية والصور المتحركة والماكياج والموسيقي و»الأفيشات» أي ملصقات الأفلام الورقية، وكل ما يتعلق بهذه الصناعة العملاقة التي تدرّ علي البلد مليارات الدولارات سنوياً. ليس هذا فقط وإنما يُتاح للسياح الإنتساب إلي دورات سريعة لتعلم الرقص الهندي وارتداء الساري النسائي الهندي. وأضافت إلي لعبة »الأكشن» الأمريكية ظاهرة فريدة هي إمكانية زفاف أي عروسين داخل أماكن التصوير، وتنظيم حفلات عشاء الزواج داخل الاستوديوهات حاملة طابع بوليوود وعبق البهارات الهندية. وأكثر من ذلك تأخذك الرحلة إلي منازل نجوم بوليوود الفارهة لتتباهي بعد عودتك لبلادك بأنك شاهدت قصر أميتاب باتشان أو شاروخان أو سلمان خان، وقد يحالف الحظ بعض السياح برؤية النجم واقفاً في شرفة منزله. ويقال إن أكثر من نصف نجوم بوليوود يعيشون في منطقة واحدة هي »باندرا» في مدينة بومباي ما يسهل علي منظمي الجولة تنفيذها. وتعتمد هذه الجولات المثيرة علي ثقافة المرشدين السياحيين الذين يرافقون السياح ويروون لهم حكايات وقصصاً بعضها مختلق عن نجوم بوليوود! وأهمية زيارة قصور نجوم الهند تأتي من أن الهنود يضفون عليهم هالة من التفخيم قد تصل إلي درجة التقديس باعتبارهم ثروة من ثروات البلاد. وقرأت أنه في إحدي الجولات ظل السياح القادمون من دبي جالسين في صبر داخل حافلتهم لساعات خارج قصر النجم سلمان خان، وهو مسلم، علي أمل الفوز بنظرة من نجمهم المفضل، إلا أنه لم يظهر وإنما أطلّ والده وشقيقته فطار السياح من الفرح والصراخ والتقاط الصور تحية لهما باعتبارهما من »ريحة الحبايب»! هل ترحل السينما المصرية إلي العاصمة الإدارية؟ أعود إلي الاقتصادي الراحل طلعت حرب وستوديو مصر. لماذا لا يتحول هذا الاستوديو إلي مزار سياحي كبير يدرّ عليه الملايين بدلاً من مطاعم للكفتة والكباب؟ يزور القاهرة سنوياً ملايين العرب الذين ستجذبهم بشدة فقرة في برنامجهم السياحي لزيارة ستوديو مصر أقدم ستوديوهات السينما المصرية وأكبرها. ولعل الشركة تستثمر فكرة شراء مساحة ضخمة في العاصمة الإدارية الجديدة لإقامة ستوديوهاتها الجديدة بدلاً من المساحة المحدودة الحالية في شارع الهرم، وبضمنها تنويع مصادر الدخل والاستثمار في تنظيم جولات سياحية تشمل ديكورات مشابهة لأشهر أفلامها ومتحفاً لمقتنيات النجوم السابقين وآخر لتماثيل الشمع وأكشاكاً لبيع الهدايا المناسبة مثل صور النجوم وتماثيل صغيرة لهم، وإعادة بناء بعض ديكورات الأفلام القديمة وأكثر من صالة سينما تحمل أسماء دور سينما قديمة تم إغلاقها وفندقاً بديكور أحد الأفلام القديمة ومطاعم وكافيهات.. وحتي مدينة ألعاب، وحارات شعبية من أحياء القاهرة والأسكندرية وبورسعيد والأقصر. ويمكن الإتفاق مع »يونيفرسال» لتقديم المشورة الفنية والإتفاق مع بنوك للتمويل. وأنا من أنصار ليلي مراد وجلستها الشهيرة علي صخرة مدينة »مرسي مطروح» في أقصي الساحل الشمالي الغربي لمصر المحروسة في فيلم »شاطئ الغرام» مع النجم الراحل حسين صدقي ومن إنتاج عام 1950. ومن نعم الله علي هذه المدينة الوديعة النائية أن تولاها محافظ قبل أكثر من ستين عاماً يعشق ليلي مراد وصوتها الرائع فأطلق اسمها علي الصخرة التي غنت فوقها أغنية »يا ساكني مطروح.. جنية في بحركم/ الناس تيجي وتروح.. وأنا عاشقة حيكم»، ثم أطلق اسم الفيلم »شاطئ الغرام» علي أحد أهم شوارعها علي البحر الأبيض المتوسط. وصارت صخرة ليلي مراد مَعلماً مهماً من معالم السياحة في مصر لا يصل السياح المصريون والعرب إلي المدينة إلا ويهرول المعجبون إلي ليلي مراد لالتقاط الصور التذكارية وبقايا الزمن الجميل، ولا يطيب لهم تناول السمك المشوي إلا في مطاعم تحمل اسم »ليلي مراد» وسط شارع »شاطئ الغرام»، أو الإقامة في فنادق هذا الشارع الذي دخل التاريخ بفضل عذوبة وبهجة صوت ليلي مراد. وسمعتُ أن مذيعة في إذاعة القاهرة سألت منذ سنوات بائع قبعات صيفية في »مرسي مطروح» عن صخرة ليلي مراد فقال لها: إنها صخرة »أديمة أوي» وتعود إلي زمن الفراعنة حين أحب الخليفة رمسيس أميرة اسمها ليلي مراد فأطلق اسمها علي الصخرة! ولما قالت له المذيعة أن رمسيس لم يكن »خليفة» وإنما »فرعون» أجابها: أصل القصة »أديمة أوي» وأنا نسيت هو كان خليفة أو فرعون! هذه أفكار أمام ستوديو مصر لزيادة موارده ودعم الحركة السياحية وترويج ثقافة السينما بالتعاون مع وزارة السياحة التي يمكن أن تشارك في تنفيذ هذه الأفكار وأية أفكار أخري تخدم نهضة السياحة كمتحف الشمع للنجوم كما قلنا ومقتنياتهم وأزيائهم مثل ملابس بدر لاما وعبلة وإسماعيل ياسين في السجن وقارب »نورماندي تو» وسيارات النجوم القديمة و»حانة» هدي سلطان والكاميرات وأجهزة الصوت والمونتاج التي استخدمت في بدايات السينما المصرية. ومن الضروري تخليد أسماء وصور المخرجين السينمائيين والمنتجين ومدراء التصوير وواضعي الموسيقي التصويرية، والأدباء الذين تحولت رواياتهم إلي أفلام سينمائية. وقد يكون مناسباً تخليد مؤسسي مكاتب ترجمة الأفلام من العربية إلي اللغات الأخري أو من اللغات الأخري إلي العربية كأنيس عبيد - مثلاً. دعوا جانباً حكاية الكباب والكفتة لأنها لا تخدم صناعة السينما في مصر التي تحتاج أفكاراً خارج الصندوق كما يقال. أعيدوا الروح إلي النجوم الراحلين فهؤلاء مع النجوم الأحياء يكفون لنجاح هذا المشروع، فمن منا لا يود التقاط صورة مع نجوم الزمن الجميل الأحياء والراحلين؟ وفي كل الأحوال لن نستغني عن الكباب والكفتة. • صحفي عراقي - القاهرة