أكد د. أحمد الطيب شيخ الأزهر ان الاحتفال بذكري المولِد النَّبويِّ الشَّريف هو احتفال بظهور النبوَّة الخاتَمةِ، والرِّسالة الإلهيَّة الأخيرة، التي وضَعَتْ الإنسانيَّةَ بأسْرِها علي الطَّريق الصَّحيح، وأخرجتها من ظُلُمات الجهْل والضَّلال.. وأضاف في كلمته خلال الاحتفال: لم يَكَدْ يمضي علي انتقال صاحب الرسالة الخالدة إلي الرَّفيق الأعلي عشرُ سنوات فقط حتَّي بدأت عروشُ الطُّغاة والجبَابِرة والمتألِّهين، تتهاوي وتسقط عَرشًا إثْرَ آخر، وبدأت الإنسانيَّة ولأوَّل مَرَّة في تاريخها تتنسَّمُ عَبق الحُريَّة، وتَتذوَّقُ طَعم العدَالة، وتَعْرِف معني المُساواة بين النَّاس وواجبَ تحرير الإنسان من ظُلْمِ أخيه الإنسان. وقال الإمام الأكبر: يُثْبِتُ التَّاريخُ أنَّ سقوطَ الحضارات كان بأسباب وعواملَ ذَكَّرَ بها القُرآنُ الكَريمُ وحذَّرَ منها، وهي المُسمَّاة بسُنَن الله في الكون والإنسان، وأهمُّ هذه الأسباب هو الانحراف عن منهج النبوة في سياسة الناس والمجتمعات، وأخذِهِم بمكارم الأخلاق التي هي الغاية من بَعثةِ الأنبياء. وأوضح الطيب أنه كما يكون الانحراف عن منهج الأنبياء بإنكار الدِّين ومحاربته، والدَّعوةِ إلي الإلحادِ والكُفْر بالله وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليَوْم الآخِر، يكون الانحراف أيضًا بصورة أشدَّ خطرًا وفَتْكًا وتخريبًا- بانحراف جَماعة شاذَّة، شاء لها خيالهم المريض أن يتصوَّروا أنفسهم أوصياء علي النَّاس، وأنَّهم وُكلاء الله في الأرض، وهم وحدهم القائمون علي فَهْم الدِّين وتفسير أحكامه. وأشار إلي أن هذه الجماعة أو الجماعات الإرهابية علي اختلاف مشاربها وتسمياتها تنطلق من اعتقادٍ خاطئ يبرأ منه الله ورسوله والمؤمنون وهذا الاعتقاد هو أن من لا يعتقد معتقدهم من المسلمين فهو كافر، وأن الكافر مستباح الدم والمال والعِرض.. وأمثالُ هذه الفِئة الضَّالة ليست بدعًا في تاريخ المسلمين، بل وجدت في سائر الأديان والعقائد والمذاهب، وما يُرَوَّج الآن من أنَّ الإرهاب صِناعة إسلاميَّة خالصة، وأنه يُمارس قتل غير المسلمين حديث خرافة، يكذبه الواقع الذي يزيف هذه الأراجيف، ويفضح نوايا مروجيها، فكُتُب التاريخ والسياسة، ملأي بالحديث عن الإرهاب المنسوب إلي الأديان، وإلي المذاهب السياسية والاجتماعية. وأضاف أن جريمة مسجد الروضة زلزلت كيان الإنسانية جمعاء في الغَربِ والشَّرق، فقد كان حادثا بشعًا شنيعًا، وكان تنفيذه من الوضاعة والخِسَّة والدناءة غيرَ متصوَّر، ولا متوقَّع صدورُه لا من إنسان ولا من وحش في الغابات.. وهذا الرصاص الذي حصَد أرواح المصلين في المسجد هو في المقام الأوَّل، حرب علي الله ورسوله، وتحدٍّ له سبحانه في عُقْرِ بيتٍ من بيوته. ووصف الطيب منفذي الهجوم بأنهم مجرمون، وأضاف انهم ليسوا بأوَّل مَن نفَّذ مثلَ هذه الجرائم في بيوت الله، فقد قُتِل الخليفة الثاني لرسول الله صلي الله عليه وسلم عُمَر بنُ الخطاب -رضي الله عنه- وهو قائم يُصلِّي في محراب مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقُتل الخليفة الثالث: عثمان -رضي الله عنه- وهو يَقرأ القُرآن، وتناثَر دمه علي صفحات المصحف الذي كان يقرأ منه. وقَتَل الخوارج، أسلافُ هؤلاء وأجدادُهم، عليِّا كرَّم الله وجهه، وهو خارج لصلاةِ الفَجْر يُنادي في النَّاس: الصَّلاة الصَّلاة. وفي قِتلة خُلَفَاء رسول الله صلي الله عليه وسلم واستشهادهم بسلاحِ الغدر والخيانة عزاء، وأي عزاء لنا ولأهلينا مِمَّن فقدوا وفَقَدْن فلذات الأكباد والعائلَ والسَّند.. وإن كنتم أهلنا في بئر العبد قد رُوِّعتم فاذكروا أن تاريخ هؤلاء الخوارج معروفٌ في ترويع أصحابِ رسول الله صلي الله عليه وسلم، والإغارةِ عليهم، وتكفيرِهم عَلِيًّا وقتلِهم إيَّاه بعد ما خذلُوه وانشقُّوا. ووجه الطيب حديثه للرئيس قائلا: نُعَزِّيكُم ونُعَزِّي شعبنا الصَّامد في شهدائنا الأبرار نسأل الله تعالي أن يتقبَّلهم بواسع رحمته ورضوانه ويسكنهم فسيح جناته، ويَرْبطَ علي قلوب أهليهم وذويهم، وأن يَمُنَّ بالشِّفاء العاجل علي المُصَابين والجَرحي والمكلُومين. واختتم شيخ الازهر كلمته قائلا: اعتذارٌ كله حياء وخجل واستحياء من مقامك يا سيد الأنبياء والمرسلين إن تطاول علي مقامك الرَّفيع في ذكراك العَطِرة طُغْمة من الجهَلَة وقُسَاة القلوب وغلاظ الأكباد، والخارجين علي نهجك القويم، والذين لم تزدهم جرائمهم إلَّا بُعدًا منك ومن دينك وشريعتك، فَعُذْرًا -رسول الله- عن هذا التَّطاول، وهذه الإساءة وسوء الأدب والعبث برسالتك السَّمْحَة.. وغدًا سيعلم هؤلاء المفسدون في الأرض المارقون من الدِّين حين يُحرَمُون شفاعتك يوم القيامة الكريم أي منقلب ينقلبون.