أب يودع أبناءه الأربعة.. و5 جثامين من عائلة واحدة مشهد مهيب رسمته جنازة العشرات من الشهداء الذين واراهم الأهالي التراب في مقابر القرية علي بعد 1500 متر من مساكن الأهالي وكأنهم يزفونهم أفواجا إلي الجنة. الجميع يقف في خشوع، يرتلون آيات الذكر الحكيم، الدموع تنهمر تحمل الآلام، وتنقل شكوي الابن الذي فقد الاب، والاب الذي فقد الابن، والشقيق الذي لم يتمكن من سماع وصية شقيقه بعد، الجميع في ذهول من هول الصدمة، لم يستفيقوا بعد، وكأنهم مازالوا في صلاة الجمعة التي لم تكتمل.. صامتون في انتظار صعود الإمام إلي المنبر. هيبة المشهد وحدها تجعلك ثابتاً في موقعك.. فهو مشهد لا يتكرر كثيراً، سوي في حالات الكوارث الكبري التي لم تعتد عليها مصر ولا شعبها الكريم، فيقوم شخص بدفن 5 جثامين من عائلة واحدة، وعائلة أخري أتمت أعمال دفن العم وأبنائه الثلاثة، فالكل يقف في سكون، لا تدري من جاء ليقدم واجب العزاء في من. وتري أسرة تقف علي حافة قبر مفتوح في انتظار وصول جثمان ابنها، وتري الحسرة تدمي قلوبهم، فلا شيء أكثر قسوة من أن تحفر قبر أخيك وتقف أمامه تنتظر بالساعات وصول الجثمان من أحد المستشفيات بالقاهرة، وتهيل عليه التراب بعدها. المقابر تقع علي يمين طريق الذهاب إلي العريش.. تري ألحاد المدافن القديمة ظاهرة للعيان، والمقابر الجماعية الجديدة تراها رمال صفراء موضوع عليها قطعة من الاسمنت أو الطوب لتعرف أن هنا جثمان.. مقابر جماعية أصغرها يتسع ل 25 فردا من ضحايا الحادث الإرهابي، وأكبرها يتسع لنحو 45 شهيداً. طفل صغير لا يتجاوز عمره ال 5 سنوات، يجلس متكئاً علي قدميه، يقرأ الفاتحة بصوت جهوري يسمعه القاصي والداني، وكأنما يريد توصيله إلي العالم الآخر، دموعه تتساقط دون أن يدري.. يحاول شقيقه الأكبر أن يجعله يتوقف عن قراءة الفاتحة بعد أن قرأها للمرة الخامسة منذ وقوفنا بجواره، ولكن الطفل الصغير لا يستجيب، يواصل القراءة، ظناً منه أنه يمكنه أن يتحاور مع والده الذي فقده في الحادث الإرهابي، في مشهد أدمي قلوب الحاضرين، إلي أن يأتي شيخا كبيرا ويقيمه، ويحتضنه ليجفف دموعه المنهمرة. كهل كبير يقف أمام المقابر، ويشير ويقول : »هؤلاء أبنائي الأربعة، رحلوا في طرفة عين«، يقف عاجزاً عن فعل أي شيء بعد أن رحل أبناؤه الأربعة وتركوا من ورائهم أبناءهم ليتعلقوا في مسئولية الجد الكهل، لا يدري هل سيمد الله في عمره ليرعي أحفاده، أم أن القدر لن يهمله.. مشهد مهيب تري فيه هيبة الموت حقاً. وأكد ذوو الشهداء أنهم لن يتقبلوا العزاء في استشهاد ذويهم إلا بعد القصاص.. حيث أنه لن يتم إقامة أي مظاهر للعزاء بالقرية إلا بعد القصاص.. مؤكدين في الوقت نفسه أن المنوط به أخذ الثأر هو الجيش المصري والشرطة، باتحاد قبائل سيناء مع قوات الأمن لتخليص وتطهير سيناء من دنس الإرهاب.. فلا عزاء قبل الثأر من قتلة أبنائنا.