شيء مما جري أمس الأول توقعته وغيري. مازلت أتوقع ما هو أكثر في هذه الحرب، وأعرف أن في سدة المسئولية من يري أبعد وأعمق، ويتحوط لما هو غير محتمل، ويدرك من زمن أن ذلك قدره. كتبت في هذا المكان منذ أسبوعين: »هناك ضربات لابد أن نتوقعها ضد منشآت أو أهداف حيوية أو وحدات أو شخصيات، وعلينا ألا نستبعد أي احتمال ولو كان بعيداً، حتي نتحسب للضربات ونحتاط، لكي ندرأها، أو نفشِّلها، أو علي الأقل نحد من تأثيراتها». وقلت في نفس المقال، ومازلت أقول. »ليس من الضروري أن نربح كل المعارك لكي نكسب الحرب». قلت: »إن النصر لنا محتوم».. ومازلت علي يقيني. • • • هي إذن حرب طويلة ممتدة، لا أعراف لها، ولا قواعد، ولا أسقف، ولا حدود. مؤلمة نعم. لكننا قادرون علي أن نلوك أي ألم ونبتلع أي وجع. لم أفاجأ بأن يكون الهدف هذه المرة، ركعاً سجوداً، نودوا للصلاة من يوم الجمعة. لم أندهش من أن تبلغ غريزة القتل وشهوة الدماء بهؤلاء، حد إبادة المصلين، أطفالاً ورجالاً وشيوخاً، بالرشاشات والأسلحة الآلية، داخل بيت الله، وفي حضرته، والكل يسبح بحمده ويقدس له. لا أستغرب من أعداء الله والوطن والإنسانية والحياة تلك الجرائم الشنعاء الوحشية التي يشمئذ منها الشيطان! • • • ثمة أشياء تعربد في صدري، وتعتمل مع غضب عارم وحزن عاصف، لابد أن أقولها. - إذا كانت مواجهة آفة الإرهاب تتطلب حزمة فكرية ثقافية اجتماعية عسكرية أمنية لتجفيف منابع الفكر التكفيري، فإن مواجهة الإرهابيين الخوارج أعداء الحياة، لا تكون إلا بالتقتيل.. وذلك شرع الله. - لا استتابة ولا مراجعة ولا حوار مع إرهابيين يحملون السلاح أو محرضين لهم بالفكر، ولا اقتياد لهم لعدالة سلحفاء، تميت القصاص وتقتل مبدأ الردع، إنما العدل هو الضرب في سويداء القلب. فهل هناك توبة لمن توعدهم الله بالخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة؟! - مقاومة الإرهاب حق إنساني - كما قال الرئيس السيسي الذي تبنت دعوته الأممالمتحدة - وواجب الدولة كفالة الحق في الحياة لمواطنيها والمقيمين فيها، بكل ما تملك من وسائل وتدابير، باعتباره أسمي حقوق الإنسان. - ملاحقة الإرهابيين، وأولئك الذين يحرضونهم ويؤونهم ويمدونهم بالمال والسلاح والمعلومات، ومعاقبتهم، في الداخل، وفي الخارج، عمل من أعمال الدفاع الشرعي عن النفس يكفله القانون الدولي. - نحن نخوض الحرب علي الإرهاب بمفردنا وبجيشنا وشرطتنا وشعبنا، كما يكرر الرئيس السيسي - نيابة عن منطقة فيها من يمول ومن يؤوي ومن يسعده ما يراه يحدث، ونيابة عن عالم يبدو أنه لم يكتو بالقدر الكافي من نار الإرهاب، وعن مجتمع دولي فيه قوي كبري ترعي جماعة الإخوان وتظللها بالحماية من الوصم بالإرهاب، وتؤمن خروج أبنائها السفاح الدواعش من الهلال الخصيب، وتنقلهم إلي المناطق الرخوة في سواحل ليبيا والقرن الإفريقي، توطئة لدخولهم مصر. .. ويبدو أننا سنظل نخوض الحرب بمفردنا لحين إشعار آخر! - ليس بعد القتل والتخريب وسفك الدماء، جيرة ولا أخوة ولا علاقة من أي نوع. الدم بالدم، والتحريض بالتحريض، وحجب المعلومة بحجب المعلومات. من ينفخ في الكير ستطاله النار، ومن يحتضن العقارب والأفاعي لن يأمن لدغاتها. • • • لست من هواة إيهام النفس بسراب ضوء في قلب ظلمة، لكن ليس من الحكمة إغفال أضواء آتية تبدد الظلام. أقول.. إن جريمة مسجد الروضة، كان يراد منها ترويع أبناء سيناء، بالأخص في المناطق التي يصطف أهلها في مجابهة الإرهاب، لكن بشاعتها أججت مشاعر الجميع بالثأر ووحدتهم خلف جيشهم وشرطتهم. كان القصد زعزعة ثقة المصريين في أنفسهم وفي حربهم علي الإرهاب وشق صفوفهم ودفع بعض ضعاف القلوب والنفوس إلي الحديث عن حوار مع الإرهابيين وجماعتهم الأم، لكنها من اللحظة الأولي جمعت كل الشعب علي قلب رجل واحد، يدعو إلي الثأر ولن تهدأ له نفس إلا بسحق الإرهاب سحقاً وقتل الإرهابيين جميعا حيث ثققناهم. بل أرغمت أولئك الذين اعتدناهم يبتهجون علي الشاشات الإخوانية التركية والقطرية مع كل ملمة تصيب مصر والمصريين، إلي الانزواء وفقدان القدرة علي التبرير وانتحال الأعذار. الآن.. نجد أصحاب الأعراف بين الوطنية وأعدائها، يعيدون لهول الجريمة قراءة المشهد، عساهم يدركون أن الهدف ليس شخصاً ولا نظاماً ولا فئة، إنما هو مصر. يراد لمصر أن تقف ولا تتقدم، أن تركع ولا تنهض، أن تسقط وهي تنطلق. يسوء جماعات الإرهاب ومن وراءها يحركها بالخيوط أو بالتحكم عن بعد، أن يقوي اقتصادها وأن تعلو منشآتها وتمتد مشروعاتها ومدنها الجديدة، وأن تتغير خريطتها بالبناء في وقت تتبدل فيه خرائط بالهدم والتقسيم. يسوؤهم ان تتمدد مصر بتأثيرها، وأن يتعاظم نفوذها في إقليمها ومنطقتها، ترمم الشروخ في جدران عربية تداعت، وتنتشل الدول العربية وتستعيد عواصمها من براثن مصائر سقطت فيها أو كادت. • • • ما كان الرئيس السيسي يستطيع أن يحادث الشعب بكلمة ثأر، أو يتحدث عن رد بكل قوة في مواجهة الإرهاب والإرهابيين، في كلمته الموجزة بالغة التصميم والحزم، لولا أن مصر تمتلك هذا الجيش. فجيش مصر هو الشوكة في حلق قوي التآمر، وهو السد المنيع أمام أوهام جماعة قنص السلطة، وهو نار الدنيا لجماعات الإرهاب. هو عمود الدولة، وسند التنمية، ودرع الأرض، وظهر الشعب. ولقد أثلج صدري أن يستخدم الرئيس تعبير »القوة الغاشمة» في الرد علي تلك الشرذمة من المجرمين التكفيريين، أي القوة التي لا تعرف حدوداً في سحق هؤلاء، ورد الصاع صاعين. إننا نثق في قدرة جيشنا وشرطتنا علي دحر الإرهاب وتحقيق النصر في هذه الحرب الطويلة، وقدرة شعبنا علي تخطي أي شدائد ومحن، ما مر منها، وما قد يأتي في أي اتجاه. • منذ 52 شهراً.. طلب الفريق أول السيسي أن نفوضه والجيش والشرطة في مواجهة العنف والإرهاب المحتمل، وخرج عشرات الملايين بعد 48 ساعة إلي الشوارع والميادين يقدمون له تفويضاً جماعياً. واليوم.. مازال التفويض مستمراً للقائد وللرئيس، لكن العنف جاوز المدي، والإرهاب طال بيوت الله. إننا نبايعه علي سيف الثأر لله والوطن والشعب، وقدره أن يحمله بيديه. سن القلم إذا كان هناك في مؤسستنا الدينية من يتحفظ علي إطلاق وصف كافر، علي القتلة الإرهابيين، بدعوي أنهم ينطقون بالشهادتين، أو بحجة أن التكفير سلاح لا ينبغي التراشق به مع التكفيريين، فما هو تعريف من يدنس بيوت الله ويقتل المصلين؟! إننا نريد فتوي شجاعة تعتبر من يعتدي علي مسجد أو كنيسة، محاربا لله ومفسداً في الأرض، جزاؤه حد الحرابة. أشعر بالمهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء وهو يعالج بعيداً عن بلده، وأعرف أن ألمه علي الحادث الإجرامي أشد إيلاماً من أوجاع المرض. دعاؤنا إلي الله أن يمن عليه بنعمة الشفاء، وأن يعيد إلينا هذا الرجل الصبور المخلص معافي سالماً. اختيار الرئيس السيسي للدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية للقيام بأعمال رئيس الوزراء لحين عودة المهندس شريف إسماعيل - بإذن الله - إلي عمله، أظنه جاء من منطلق ما يتمتع به الدكتور مصطفي من عقلية منظمة، وقدرة علي الإدارة والتنفيذ، أظهرها بوضوح في القيام بمهام الإشراف علي تشييد مرافق البنية الأساسية وتخطيط وتنفيذ المدن الجديدة ومشروعات الإسكان. كل التمنيات بالتوفيق للدكتور مصطفي مدبولي في مهمته المؤقتة الصعبة، ومهامه الممتدة الشاقة. في خضم الحدث الجلل، ظهر الإعلام المصري، في التليفزيون الرسمي والفضائيات الخاصة، في صورة محترمة، أغنت المتابعين والمتعطشين لأي معلومة، عن اللجوء إلي وسائل التواصل، أو الاضطرار للبحث عن أي أخبار علي فضائيات عربية دولية أو معادية. الفضل في هذا ل»المصادر الرسمية» التي سارعت بإذاعة أعداد الضحايا من الشهداء والمصابين أولاً بأول، منذ الدقائق الأولي لوقوع الجريمة الإرهابية الغادرة علي مسجد »الروضة». وأسعدني للغاية أن أجد الفضائيات الدولية والمصرية الخاصة، تذيع أخبار الحادث نقلاً عن التليفزيون المصري لأول مرة منذ سنوات. الرئاسة التركية ذكرت في بيان لها أن الرئيس أردوغان اتفق مع الرئيس الأمريكي ترامب في اتصال هاتفي ليل الجمعة علي محاربة كل المنظمات الإرهابية بما فيها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني و»شبكة فتح الله جولن»، علي حد تعبير البيان التركي. هل كلمة »كل» تشمل جماعة الإخوان التي ينتمي لها الرئيس التركي؟! هناك وجوه قبيحة تنعق في الفضاء الالكتروني ب»تغريدات» قذرة تتشفي في شهداء جريمة »الروضة»، وتسخر من الشعب، وتلقي قاذوراتها علي الجيش والشرطة. أظن الوصول إليهم ليس صعباً، واقتيادهم إلي العدالة علي جرائمهم التحريضية ليس أمراً عسيراً.