مللت الكتابة عن الأوضاع التي نعيشها.. نصحوا وننام علي نفس الشيء.. فوضي وبلطجة وخناقات ومظاهرات واحتجاجات واعتصامات واضرابات.. وانفلات أمني.. وانفلات أخلاقي. الحالة الاقتصادية متردية.. والحالة النفسية لا تسر عدوا أو حبيبا! صحيح انتقل الشعب بمصر من عصر الفساد والديكتاتورية إلي عصر تطل منه الحرية وتبدو من بعيد أنوار الشمس تسطع مبشرة بصباح جديد جميل علي مصر وأهلها الطيبين. يقولون إن الثورات تأخذ وقتا حتي تستقر الأمور.. وأتساءل لماذا تأخذ كل هذا الوقت بينما يمكن ان تستقر الأمور اليوم قبل غد. من له مصلحة في إطالة المدة.. ما فائدة مؤتمر الوفاق القومي.. الذي يضم فلول القيادات السابقة.. ما فائدة الحوار الوطني الذي أنتج لنا خناقات أكثر مما أنتج من خطط وبرامج تنفيذية يمكن أن نضعها علي المحك ونطبقها فعلا. ما فائدة استمرار حكومة مؤقتة تسيطر عليها ما يعرف ب »شلة شرف« والتي تضم بقايا وزراء سابقين.. ولم تقدم لنا حتي الآن سوي كلام في كلام.. واضرب لهم مثالا من أنفسهم.. خرج وزير العدل يقول إن الحكومة ستضرب بيد من حديد علي كل من يعبث بمصر وأمنها واستقرارها.. ووجدنا الضربات تنزل علي رأس الحكومة من فئات تمارس البلطجة وتمارس الضرب في الحكومة تحت الحزام.. وتعتصم أمام ماسبيرو تطالب بمساكن إيواء.. ومحافظ القاهرة يقول ليس من حقهم.. ويستمر المنظر الكريه أمام مبني الإذاعة والتليفزيون في فوضي احتجاجية لم نجد لها مثيلا في أي بلد في العالم.. ولم يتحرك القانون الذي أعلنه وزير العدل.. وضاعت هيبة الدولة وهيبة سيادة القانون.. وخرجت علينا الحكومة الخميس الماضي بالوعيد والنذير لمن يخرقه! ولم تنطق سوي بتفعيل نصوص القانون الذي لم يتعد كونه حبرا علي ورق. والأسئلة التي تفرض نفسها متي تحافظ الحكومة علي هيبتها؟! وما هي الآلية التي وضعتها الحكومة لكي يكون هناك حوار بينها وبين الناس يوميا حول مشاكلهم وقضاياهم؟! ولدي سؤال بريء لرئيس الوزراء.. هل تقدم لنا كشف حساب بزياراتك الخارجية منذ توليت رئاسة الحكومة قبل 4 أشهر؟! أتذكر أنك زرت دول الخليج ودول أوروبا والعديد من الدول الافريقية.. حوالي 10 سفريات في أيام معدودة! من تكلف بذلك.. وكم التكلفة.. وما النتائج؟! إنني أريدك بنشاطك وثوريتك في ثوب أبيض لا شائبة فيه.. لهذا يجب أن تعطي لمصر وشعبها اهتماما أكبر.. ليتحقق الإنجاز الذي نأمل أن تحققه لنا. كل هذا يجعلني أشعر بالمرارة من استمرار تردي أوضاعنا المعيشية وانتشار الغلاء الذي يطحن الفقير قبل الغني.. وانتشار المرض والجهل والأمية وتلوث البيئة.. خذ مثلا ما يجري في القاهرة بينما يجلس المحافظ في مكتبه المكيف والمنيف.. يعيش المواطنون في مختلف شوارع القاهرة مأساة مع أكوام الزبالة والردش.. مع جو حار قاتل وخانق.. ولا مجيب من المسئولين بالمحافظة أو وزارة البيئة.. حيث يكفيهم الترويق والتزويق لكبار المسئولين في حكومة الثوار! ألم أقل إنني مللت الكتابة! لقد انتشلتني من حالة الملل الكلمات الواضحة والصريحة التي أطلقتها الدكتورة سعاد الشرقاوي في حوارها »للأخبار« مع الزميلة ياسمين الطيار حول السير في اتجاه إنتاج ديكتاتورية فاسدة جديدة بوجوه قديمة أو قريبة الشبه بالوجوه القديمة أو إعادة إنتاج النظام السابق علي الثورة.. خاصة إذا استمر المخطط وتم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل إصدار الدستور الجديد.. وقد اتفق مع الدكتورة سعاد الشرقاوي العديد من المنظمات الحكومية والتيارات السياسية وأساتذة القانون وخبراء الفقه الدستوري.. وأصبح علي المجلس العسكري أن يستجيب لصوت العقل. لقد أجهدت الدكتورة سعاد الشرقاوي نفسها للتوصل إلي مشروع دستور يحمي ثورة 25 يناير.. ويحاول إغلاق منافذ الفساد.. وتفكيك شبكة المصالح المتبادلة بين القائمين علي السلطات المختلفة.. واستلهمت في سبيل ذلك أفضل ما في دساتير ألمانيا وفرنسا والاتحاد الروسي.. ومحاسبة المفسدين أولا بأول والنص علي محكمة عدل عليا يسأل أمامها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء.. ويكون توجيه الاتهام منظما بنص الدستور. الدكتورة سعاد الشرقاوي هي أستاذة القانون العام بحقوق القاهرة وفقيهة دستورية.. لها باع كبير في قوانين الحريات والأحزاب السياسية وممارسة الحقوق السياسية والانتخابات البرلمانية.. إضافة إلي إسهاماتها في البحث العلمي القانوني والدستوري.. فهي من أفضل من يتحدث عن الدستور والقوانين خاصة في مجال الحريات وحقوق الإنسان. لقد أصدرت منتصف مايو مشروع الدستور الذي تقترحه.. كاجتهاد يضمن الحريات العامة.. ويحقق الفصل بين السلطات.. وتفعيل آلية الشفافية والمحاسبة.. لم تقل إن مشروعها الأوحد.. بل تطرحه للمناقشة من جميع المهتمين بالشأن العام والعاملين في مجال السياسة.. تعليقا وإضافة وتحسينا. فهي تؤمن أنه كلما كان الدستور موضع مناقشة واسعة ومتأنية كلما جاء فاتحا لآمال جديدة.. وضامنا لآليات فعالة تعين علي إحداث النهضة التي ننشدها جميعا.. كما تؤمن أن الشعب روح الدستور وبغير يقظة الشعب وعمله الجاد الدؤوب يتحول الدستور إلي حبر علي ورق. الدستور المقترح يفتح طريقا جديدا بعد المعاناة من أنظمة انتهكت حريات وحقوق الإنسان.. واستهزأت بالقيم الخلقية السامية واعتبر المال العام مستباحا. ولهذا رأت ان تضع للمقومات الاقتصادية فصلا في الدستور يضمن حماية المال العام ويضع للملكية العامة حرمة وحمايتها ودعمها وتنميتها واجب علي الدولة والمواطنين.. ولأول مرة يكون للبنك المركزي فصل خاص بالدستور باعتباره شخصية اعتبارية مستقلة عن جميع السلطات.. يكون مختصا بوضع وتنفيذ السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية.. ويلتزم بالشفافية ويعمل علي تحقيق الاستقرار في الأسعار وسلامة النظام المصرفي ويخضع للمحاسبة وفقا للقانون. إن ما تقدمه د. سعاد الشرقاوي مقترح يعبر عن اجتهاد فقيه.. أرجو أن يضعه المجلس العسكري في حسبانه.. وأن ينوع في مصادر معلوماته الدستورية والقانونية!