ورش أغلقت أبوابها، وعمال اُجبروا علي ترك حرفة لم يعرفوا غيرها علي مدار عقود، هذا هو حال أشهر قلاع الأثاث بمصر بعد أن هرب الزبون المصري منها ليشتري المنتج الصيني رخيص الثمن، وتوقفت حركة التصدير للخارج بشكل نهائي، ليزيد العبء علي أصحاب ورش النجارة الذين أشهر بعضهم إفلاسه، لعجزهم عن الإنتاج بعد ارتفاع أسعار الخامات والاخشاب بشكل فاحش بعد تعويم الجنيه، ولرصد الواقع عن قرب انتقلت »الاخبار» لكل من قرية الشعراء بمحافظة دمياط التي تشتهر ب »المداهباتية» وانتاج الصالونات المذهبة، وقرية »كتامة» بمحافظة الغربية، ومنطقة »المناصرة» بالقاهرة، لنصطدم بواقع مرير لا تعبر عنه كلمات بسيطة،لكنه يعكس الوضع المأساوي الذي تعانيه قلاع انتاج الاثاث المصري . نحاول خلال السطور القادمة عرضها لنضع أيدينا علي أبرز أسباب الأزمة وسبل الخروج منها خاصة بعد تدشين مدينة الاثاث بدمياط التي تمثل طوق نجاة لصناع الموبيليا في دمياط أهم قلاع الأثاث المصري لكن تبقي مشكلة ورش الأثاث المتناثرة في الغربيةوالقاهرةوالمحافظات الأخري في حاجة إلي تدخل حكومي لإنقاذها قرية »الشعراء» بمحافظة دمياط واحدة من أقدم واشهر قلاع الأثاث بمصر عاش أهلها عقودا لا يعرفون سوي النجارة مهنة لهم، توارثوها عن آبائهم واجدادهم حتي اصبح كل منزل بالمدينة يعمل به ما لايقل عن شخص او اثنين في تصنيع الأثاث، وخلال سنوات طويلة استقبلت المدينة نحو 10 آلاف عامل وصانع من كافة محافظات مصر للعمل بهذه المهنة، إلا ان دوام الحال من المحال، فخلال الآونة الأخيرة أصبحت القرية طاردة للعمالة، وتوقفت حركة التصنيع حتي اضطرت مئات الورش الي غلق أبوابها امام الزبائن، واصبحت الورش المتبقية تعتمد علي عدد زهيد من الزبائن لمحاولة التصدي للظروف التي تجمعت لتوقف نشاط التصنيع بالقرية، ويقع أصحاب الورش تحت رحمة الأثاث الصيني واحتكار مجموعة من التجار للأخشاب والتلاعب بأسعاره. »الورشة فاضية ومفيهاش ولا صنايعي يشتغل معايا» بهذه الجملة بدأ يوسف محمد، نجار موبيليا، حديثه معنا موضحا انه اضطر منذ عدة شهور لتسريب كافة الصنايعية من ورشته بعد أن عجز عن توفير أجرتهم نظراً لتوقف الطلبيات حتي أصبحث الورشة تعمل لتنفيذ 10% فقط مما كان ينفذه من قبل. وخلال جولتنا بقرية الشعراء مررنا بإحدي المناطق التي أغلقت كافة ورشها أبوابها فلا تسمع صوت »دق» او »صنفرة» ويؤكد لنا احمد السيد، صاحب ورشه بالمنطقة أن أسعار الدهانات تزداد يوميا بنسبه 6%، بينما قل المكسب بنسبه 45% عن السنوات السابقة مما يعني خسارة فادحة لكل اصحاب الورش، موضحا أن الأثاث الصيني الذي بدأ في الظهور بدمياط منذ 6 سنوات يعد عاملا رئيسيا في انهيار الصناعة. كتامة .. قرية صغيرة بمحافظة الغربية انجبت الزعيم الراحل مصطفي كامل وآمنت بمقولته » لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة» فاستطاعت خلال فترة قصيرة ان تصبح من أهم أسواق انتاج وبيع الأثاث، إلا أنها الآن تستغيث من الركود الذي أصاب كافة ورشها، ووصل الأمر بأهلها الذين عملوا في صناعة الأثاث، ولم يهتموا يوما بالعمل في المؤسسات الحكومية بالرغم من حصولهم علي مؤهلات عليا إلي المحاولة للحاق بقطار »الميري» أو السفر للخارج أو العمل علي »التكاتك». يقول محمود أبو سريع، صاحب ورشة وتاجر موبيليا، ان وقف الحال الذي يعاني منه أصحاب الورش خلال الفترة الحالية لم تشهدها القرية من قبل خاصة خلال هذه الشهور من كل عام، موضحا أن سعر الخشب أصبح اغلي من الذهب مؤكدا أن التجار يتحكمون في كافة الأسعار حسب أهوائهم الشخصية.. بصفته سوق الأثاث الرئيسي بقلب مدينة القاهرة، كان علينا التوجه لل»المناصرة»، بدأنا جولتنا من داخل إحدي »حواري» المناصرة الضيقة التي لا يخلو اي ركن فيها من ورشة او معرض للأثاث.. وأكد الحاج محمد الشناوي والذي يعمل بسوق المناصرة منذ ما يقرب من 50 عاماً أن الحالة التي وصل لها السوق ليس بالأمر المفاجئ فالأسعار بدأت منذ سنوات في الارتفاع ثم زاد الأمر بشكل ملاحظ خلال الآونة الاخيرة، موضحا انها عملية متدرجة يتسبب فيها بالدرجة الأولي المستورد الذي يدفعه طمعه إلي زيادة سعر الخشب بشكل مبالغ فيه انتقالا إلي تجار التجزئة وعربات الشحن التي رفعت هي الاخري من قيمة مكسبها.