أكتب عن موضوعين رأيت أنهما يمثلان جزءا من ظاهرة واحدة، هي التمزيق العمدي لأنسجة هذا الوطن، رغم أن أحد الموضوعين ينتسب للماضي والآخر ينتمي إلي الحاضر. فلقد فتح البعض ملفًا طواه الزمن، ولم يبق إلا أن نتدبر دروسه؛ كي لا تتكرر أحداثه وتتكرر سلبياته، هو ملف مصرع عبد الحكيم عامر الذي بدأت إحدي الصحف الخاصة بإثارته عبر حوار مع أحد أبناء عامر، وعبر تقرير قالت الصحيفة إنه تقرير طبي شرعي. وبداية أقول: إن جمال عبد الناصر لم يتنصل من مسؤوليته عن هزيمة 1967? ولم ينكر السلبيات الجسيمة التي أدت إليها، وعندما أعاده الشعب إلي الحكم بعد تنحيه قبِل العودة وشرطها بالانتهاء بعد إزالة آثار العدوان، وبداية أيضا فإنني أدعو إلي فتح كل الملفات، بما فيها ملف 1967? وإلي نشر كل الوثائق وكل الشهادات وكل ما يتصل بها، وهو كثير، بعضه موجود لدي الدولة، وهو وثائق وشهادات لجنة كتابة تاريخ الثورة، التي أوكل السادات رئاستها إلي نائبه حسني مبارك. والذي أعرفه أن الهدف من اللجنة كان هدفًا مركبًا وبعض أجزائه كان يتصل بإزاحة عبد الناصر من تأسيس وقيادة تنظيم الضباط الأحرار وقيادة الثورة عند قيامها، ونسبة هذا الدور إلي آخرين، وكان يتصل أيضا بإدانة عبد الناصر إدانة كاملة عن الهزيمة ومصرع عامر! وعندما لم تجد اللجنة ما يقود إلي ذلك عبر الوثائق وشهادات المعاصرين من سياسيين وعسكريين وضعوا علي "خبرها ماجور"، كما يقول العامة من أهلي، ولو كان لدي السادات ولدي إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية وغيرهم من الخصوم الألداء لعبد الناصر الشخص والفكرة والمسيرة والإنجاز؛ أي حقائق حول ما سبق لكانوا أول من نشر وأقام الدنيا ولم يقعدها، ولم يكن لهم أن ينتظروا همة أحد أبناء المشير وبراعة صحيفة تختلف الآراء حول نشأتها ودورها. غير أن التساؤل الحقيقي هو: لماذا هذا السعي الدؤوب لجذب أنظار الناس وشغل عقولهم بمثل هذا الأمر في ظل ظروف نعلمها جميعًا وكل السهام فيها مصوبة وبحق بالغ النصاعة إلي الفساد والإفساد والاستبداد؟ وقد وردت إشارات إلي عديدين من رجال الأعمال الذين صارت لهم صحف ينفقون عليها ببذخ، لماذا يتم لي الأعناق لتنظر إلي الخلف وتنشغل عن قضايانا بالغة الأهمية التي يتعين الالتفاف من حولها لبناء مصر المعاصرة الخالية من الاستبداد والفساد والإفساد وتزاوج المال بالسلطة، وأيضا إفساد المال للإعلام، وتزييف المال للتاريخ؟! أما الموضوع الثاني فهو ما كتبه الأستاذ سمير غريب عن الدكتور إسماعيل سراج الدين، ينعي فيه استمرار الأخير في موقعه بمكتبة الإسكندرية بعد ثورة يناير، رغم أن سراج الدين كان من أقرب المقربين لمبارك وزوجته، إلي آخر ما جاء في المقال، الذي كدت أن أتوقع أن ينهيه كاتبه بنداء إلي من بيدهم الأمر يقول لهم فيه: محسوبكم موجود إذا شغر منصب مدير مكتبة الإسكندرية! ولمَ لا؟ وقد أثبت الأستاذ غريب مهارة غير مسبوقة ولا ملحوقة في مواقع سابقة شغلها في مضمار وزارة الثقافة التي احتلها فاروق حسني لأكثر من عقدين، فكان بحق زين الوزراء وزين الرجال، كما كانت تنعته الدكتورة نعمات فؤاد! كان زين الرجال يسند بعض المواقع العليا المهمة لأصدقائه الذين قيل إن بعضهم كانت تربطه بهم علاقات خاصة، ولم يكن يلتفت إلي كفاءات وطنية أخري تفوق أصدقاءه بكل المعايير التي يمكن أن توضع للمفاضلة، أي المعايير العلمية الأكاديمية، ومعايير الخبرة السابقة، ومعايير الثقافة العامة والقدرة علي القيادة، إلي آخره، وأظن، وليس كل الظن إثما، أن دار الكتب والوثائق القومية، وهيئة التنسيق الحضاري والهيئات الأخري التي احتلها الأستاذ غريب كان يمكن أن تجد من هو أكفأ وأنسب منه، وفق تلك المعايير. نعم كان إسماعيل سراج الدين قريبا من رئيس الدولة وزوجته، لأن قامة إسماعيل لم يكن مناسبا لها الاقتراب في مصر ممن هم أقل من موقع رئيس الجمهورية، فهو والشهادة هنا للأستاذ غريب خبرة وكفاءة عالمية مشهود لها، ثم إن اقترابه من الهانم كان اقترابا في مهمة سامية، هي المكتبة، أما غيره فكان اقترابه من الهانم محددا في مهام من نوع اختيار موديلات الملابس وألوانها، وهدايا الآثار، والمجوهرات وأشكالها، وكان البعض يحتل موقعه لاقترابه من ذلك الوزير القريب من الهانم، وبالتالي كانوا في حماية وزير يخدم الهانم، وفرق كبير بين من كان يخاطب الهانم مباشرة ومن كان يدور في فلك من يدور في مدار الست أم جمال! لم يقدم الأستاذ غريب نقداً واحداً للمسلك العلمي والمهني لسراج الدين، ولم يقدم ملحوظة واحدة علي كفاءته العالمية ولا علي ذمته المالية، ولم يشر إلي أنه لم يحصل علي جائزة مصرية واحدة من تلك التي كانت توزع علي قارعة الطريق، وهي جوائز مرتبطة بوزارة الثقافة، رغم أن سراج الدين لديه 29 أكرر تسعة وعشرون دكتوراه من أنحاء العالم، وهو الشخص الوحيد من العالم العربي وإفريقيا الذي ضمته "الكوليج دي فرانس" إليها! إذن الموضوع ليس ثورة يناير ولا دياولو، ولكنه في ظني الإيقاع برجل استعصي علي أن يكون من أزلام زين الرجال إياه، وكان استقلاله في ذلك الصرح العلمي والثقافي العظيم شوكة في حلوق كثيرين، وربما كان الأمر أيضا أمر امتيازات مادية أخذها سراج الدين علنا فيما كانت دهاليز وزارة الثقافة مزدحمة بما يزكم الأنوف من فضائح فساد وإهمال. ليس كل ما انتسب إلي ما قبل يناير فاسداً، والأولي أن تحتفظ مصر بكفاءاتها وأن توظفها التوظيف الأمثل، وأختم بما نسب للرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم بما معناه "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام"، وأن الإسلام أبقي ما كان حسنا وصالحا في الأزمنة ما قبله. المفاجأة هي أنني لا تربطني بسراج الدين ولا بالمكتبة أي علاقات خاصة من أي نوع ولم أزرها سوي ثلاث مرات.