عندما نتابع ما يجري في الشارع المصري من تضارب وتناقض لابد أن نُصدم ونصاب بالدهشة ونصرخ بأعلي الصوت هذا ليس ابدا ما استهدفته ثورة 52 يناير التي اندلعت من أجل الاصلاح والتغيير.. اصلاح أحوالنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وتغيير أوضاعنا وسلوكياتنا والعمل علي تعظيم مسئولية بناء هذا الوطن علي أسس جديدة وسليمة.. لم يخطر أبدا ببال أحد أن تكون المصالح الخاصة والعامة هدفا لعملية إضرار موجهة من جانب بعضنا إلي بعضنا الآخر دون ضابط أو رابط . الكل أطلق العنان لنزعة الفوضوية والتسيب والتخلي عن المسئولية المجتمعية سواء تجاه وطنه أو تجاه أخونه من المواطنين الآخرين.. اختفت الرحمة ومشاعر التعاطف والشهامة والتقدير الصحيح للمسئولية الوطنية. ساد الساحة.. مبدأ »أنا ومن بعدي الطوفان« في تعاملاتنا مع بعضنا وفي تعاملنا مع الصالح الوطني. إن مفهوم الحرية أصبح مهزوزا عند الكثيرين.. حيث أنحصر في المطالبة بالحقوق دون أي التزام بالواجبات. لا أحد يفكر في سلبيات وتداعيات ما يقدم عليه من أعمال تؤدي إلي تعطيل العمل والانتاج ووقف دوران عجلة الحياة اليومية للملايين من أخوة الوطن. اتسمت السلوكيات بالانانية والحقد والتنكر لحب مصر والفهم الخاطئ الجاهل للثورة إلي درجة العمل ضد أهدافها ومبادئها. هنا لابد أن نعترف بان الاعلام ساهم بدور كبير في تصاعد هذه الحالة المرضية المؤسفة ، وكان الانفلات الامني قرين هذه المهمة بالاضافة الي غياب هيبة الدولة نتيجة التعامل والتصدي الرخو للممارسات الخارجة علي القانون والنظام العام . كل هذه العناصر السلبية فتحت الباب علي مصراعيه لتكون اليد العليا لشريعة الغابة والبلطجة. ساهم في صعوبة السيطرة علي هذه الحالة هرولة الاعلام إلي إجراء الأحاديث وتسليط الأضواء علي مظاهر الاجرام والفوضي وأعمال وأقوال الفوضويين الذين تقمصوا أدوار الثوريين فجأة ودون أن يكون لهم أي دور في الثورة. هلّل هذا الاعلام للترهات التي أدت الي تُكريس انفلات الشارع. تهليل أدي إلي تعاظم نزعة الانفلات وعدم المبالاة بانعكاسات ذلك علي الأمن والاستقرار. اللعب علي مشاعر الناس الذين يئنون من الاعباء المعيشية آثار الاحقاد وموجات الغضب التي لم يتحقق من ورائها سوي اختلاق المزيد من المشاكل والتعقيدات. هذا الواقع ليس دعوة للتشاؤم ولكنها الحقيقة التي نلمسها كل يوم بل وفي كل ساعة بدرجة مقلقة ومفزعة. انها تتجسد أمام أعيننا ووفقا لما تتناقله أجهزة اعلامنا المبجلة لتصيبنا بالاحباط وتجعلنا نرفع أيدينا والتوجه إلي السماء داعين الله بأن يرفع عنا مقته وغضبه. ماذا نقول عن عمليات الاعتصام وتخريب خطوط السكة الحديد لمنع تسيير القطارات ومنع وصول مئات الآلاف من المواطنين إلي وجهاتهم ما بين القاهرة والصعيد. كيف تسمح وتقبل الدولة أن يقطع بعض المواطنين خطوط السكة الحديد عند مدينة العياط مهما كانت الأسباب ومهما كانت المطالب. ماذنب ركاب هذه القطارات من مواطنين مصريين وضيوف أجانب فيما تعرضوا له من متاعب واخطار. وماذا عن العاملين في قطارات المترو الذين سمحوا لأنفسهم بمفاجأة الملايين بتعطيل الوسيلة الشعبية للتنقل لأن لهم مطالب.. كان يمكنهم التقدم بها دون اللجوء إلي هذا السلوك غير المسئول. كيف بالله يمكن توصيف ما قام به أصحاب وسائقو الميكروباصات الذين قرروا الاضراب وتعطيل المرور في شوارع الجيزة وزيادة معاناة مئات الآلاف من المواطنين بمنعهم من الذهاب إلي عملهم أو العودة إلي بيوتهم.. وماذا عن تهديد رجال المراقبة الجوية باغلاق مجالنا الجوي وتعطيل حركة الطيران . أليس مضحكا ما يجري بين يوم وآخر أمام مبني التليفزيون وما يترتب عليه من تعطيل للمرور. هل أصبحت الثورة بطموحاتها وبالآمال العريضة التي صاحبتها مجالا لهذا العبث بمصالح جموع الشعب والاضرار بالوطن. من المؤكد ان الثوار الحقيقيين أصحاب هذه الثورة - وهم الغالبية من أبناء هذا الوطن- لا يمكن أن يرضوا بهذا الذي يجري والذي يؤدي إلي هذا التشويه المخزي لصورتنا. الرحمة .. الرحمة.. بالثورة.. وهذا الوطن الذي أصبح بلاصاحب!.