وجود ستة أو سبعة ملايين مصري في المهجر أمر جديد علي المصريين الذين اشتهروا بارتباطهم القوي بالوطن منذ فجر التاريخ عندما كان مفهوم الوطن غائبا عن الإنسانية، ولنقرأ قصة سنوحي الذي نفاه الفرعون إلي إحدي جزر البحر الأبيض ورسائله التي تفيض ألما، كان أشد ما يتمناه أن يموت بعيدا عن كيميت، أي الأرض السوداء وهو اسم مصر القديم، أرضها مقدسة وكل ما عداها هباء، كل الأقوام هاجروا إلي مصر. ولكن المصريين لم يهاجروا إلي جهة، لم يحدث هذا الا بدءا من السبعينيات، والإنسان عموما، والمصري خصوصا لا يهاجر الا إذا ضاق به الحال وسدت أبواب الأمل، هذا العدد الكبير يحتاج منا دراسة تجارب الهجرة الكبري خاصة القريبة منا، الشام بمعناه الكبير والذي هاجر منه عدد كبير إلي أمريكا وكان في نيويورك أول القرن الماضي حي عربي كبير اندثر الآن وحل مكانه أهل الصين. كذلك تجربة اليونانيين والأرمن ورغم ان مصر هضمت معظم من جاء إليها الا ان بعض الجاليات المهاجرة احتفظت بخصوصيتها وبالتحديد الأرمن الذين عملوا في المهن الخاصة واحتفظوا بلغتهم وعادتهم، وكان القادر منهم يزور أرمينيا مرة في السنة، ومنهم مشاهير في مصر بينهم صاروخان رسام الكاريكاتير ونيللي ولبلبة ولهم جريدة تصدر في مصر، تجربة هؤلاء يجب ان نعرفها وان ندرس حتي يتحقق التوازن النفسي والداخلي لدي المهاجر بين انتمائه إلي الوطن الأم وارتباطه بموطن الهجرة الذي وجد فيه الفرصة التي لم يجدها في بلده سواء تعلقت بالحرية أو الوضع الاقتصادي. في نيويورك علمت ان عددا ضخما من أبناء المكسيك يقيمون في الولاياتالمتحدة، وان حكومتهم أقدمت علي تخصيص مقعد في البرلمان المكسيكي، أي ينتخب عضو من المهاجرين في كل سنة أو كل دورة برلمانية ليمثل للمغتربين، الفكرة بدت لي غريبة ولكنها جديرة بالتفكير، خاصة انه لدينا الآن ثلاث تجمعات كبيرة، المصريون في دول الخليج العربي، المصريون في أوروبا تم المغتربين في الولاياتالمتحدة، ان وجود حوالي ستة ملايين مصري في الخارج ليس بالأمر الهين، وايجاد جسر بين الطرفين ينتج ثمارا ايجابيا، تخصيص مكان في البرلمان الجديد فكرة تستحق المناقشة، ويمكن ان يمثل اختياره من احد مواطن الهجرة الكبري في العالم حيث يتواجد المصريون الآن بدون أي جهد منظم لربطهم أو اتصالهم بمصر الأم.