تتعرض الاوطان لكثير من الابتلاءات وبأشكال متعددة لا تسلم منها أمة علي مر العصور وقت السلم أو الحرب ومن هذ الابتلاءات »الخيانة» لذا حذر الاسلام منها في كل شيئ فهي آفة تفرق الشمل وتضيع الجهود والثروات وتبدد الطاقات، وهذه رؤية اسلامية يقدمها علماء الدين لمحاربة داء الخيانة الذي إذا استشري بالانسان جرده من انسانيته ولنكون حراسا يقظين لكل خائن آثم إن قدر علي المكر والخيانة اليوم فسيعجز عن حمل تكاليفها غدا. أفراد المجتمع يقول الشيخ عمر البسطويسي من علماء الأزهر الشريف ان الخيانة فعل ذميم وخصلة قبيحة حذر الاسلام منها ولا ترضاها النفوس السليمة بل ترتضيها النفوس الضعيفة لما تسببه من انعدام الثقة بين أفراد المجتمع فهي نقض لكل ميثاق بين الانسان وخالقه أو انسان وانسان أو بين الفرد ووطنه قال تعالي »وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَي سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ» وقال الرسول صلي الله عليه وسلم : »اللهم اني أعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فانها بئست البطانة»، والخائن وان اندس بين الناس بحيث لا يفتضح امام عباد الله فأين يذهب يوم القيامة، ويضيف الشيخ البسطويسي : للخيانة صور متعددة، خيانة في الدين بالطعن في ثوابته أو استغلال نعم الله في معصيته ولذا عقب سبحانه نهيه عن الخيانة بقوله : »وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»، ومن اعظم الخيانات خيانة الاوطان والمجتمعات بأن يكون للبعض ارتباط بعلاقات خارجية وجهات مشبوهة الغاية يتخذ الاعداء منها جسرا يمرون منه فيدمرون ويفسدون ويخربون ويوقعون الفتنة ويسفكون الدماء وينهبون الاموال ويشيعون الفوضي، كما ان التستر علي المجرمين والمفسدين وإيواء الخائنين خيانة والانسان السوي لا يقر الفساد ولعن الله من آوي أو نصر أو وقف بجانب خائن وخضع مقابل ذلك الي جمع المال بالرشوة وغيرها ليضحي بوطنه من غير خوف ولا خجل والنبي صلي الله عليه وسلم لم يرض ان يتخذ الخيانة وسيلة حتي في حق كافر محارب لله ورسوله. مطية للأعداء فما مدي جرم اولئك الذين لا تكون خيانتهم الا في أبناء دينهم ووطنهم فكل من يكون مطية لأعداء الوطن والامة في تنفيذ مخططاتهم أو يكون دليلا لهم علي أسرارها فهو خائن لله ورسوله ولوطنه وأيضا كل من سعي للافساد في وطنه وتخريبه بالاعمال الإرهابية ومن يزكي النعرات الطائفية ويحرض المواطنين بعضهم علي بعض أو يحرض الشعب علي حكامه أو يسعي لمحاربة مظاهر الاصلاح في المجتمع ولا ننسي المعاملات اليومية التي نتعرض لها فهي خيانة للوطن فما يفعله ضعاف الايمان من التجار حينما يرفعون أسعار السلع ويخفونها ومن يروج المخدرات والمسكرات لإفساد كيان أمة وتدمير اخلاقها وقيمها خيانة، وعندما لا يؤدي الشريك حق شريكه خيانة ومن يستغل منصبه لجر منفعة أو يتشبع من المال العام فهي جريمة قال الرسول صلي الله عليه وسلم : »استعملناه علي عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول»، ويستطرد الشيخ البسطويسي من الخيانة ايضا عدم حفظ الجوارح عن معصية الله بالكذب والنميمة والسخرية من الناس والتجسس عليهم ولو صان المرء جوارحه واستعملها في ذكر الله والامر بالمعروف فيكون قد أدي امانة لسانه، ومن الخيانة عدم حفظ حقوق المجالس بإفشاء اسرارها ونشر اخبارها فكم من حال تقطعت ومصالح تعطلت للاستهانة بأمانة المجلس ومن الخيانة نشر الشائعات لإحداث البلبلة والفوضي والخيانة الوظيفية بتصوير المستندات السرية ونشرها بدافع الاسبقية المهنية بغض النظر عما يلحق البلاد والعباد من مفاسد. عواقب الخيانة ويؤكد ان عواقب الخيانة في الاموال انهيار في الاقتصاد وفي الاعراض تؤدي الي انهيار الاخلاق، وفي العقول والافكار تؤدي الي انحراف المنهج وفي القلوب والصدور تؤدي الي فساد الدين والاعتقاد والخيانة متي تفشت في قوم آذنت عليهم بالخراب فلا يأمن أحدا ويحذر كل أحد من الآخر قال الامام الذهبي : »الخيانة من الكبائر» بدليل قول النبي صلي الله عليه وسلم »آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان»، وأسوأ ما يبطن الانسان ممارسته للخيانة فينال سخط الله عز وجل في الدنيا والآخرة وعقوبتها في الدنيا موكولة لولي الامر بحسب ما يترتب عليها من ضرر. نماذج من التاريخ ويقول فضيلة الشيخ فوزي الزفزاف عضو مجمع البحوث الاسلامية: قال تعالي »وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»، فالتاريخ الاسلامي حافل بنماذج للخيانة والخائنين علي مر العصور وجسد أمتنا الاسلامية ليس به موضع اصبع إلا وتجد تحته أثرا للخيانات مرة من اعدائها ومرة من بعض أبنائها الذين زرعهم الاعداء ومن نماذج هؤلاء الخونة : أبو رغال الذي جعل نفسه دليلا وعميلا لابرهة الاشرم عندما عزم علي هدم الكعبة المشرفة.. وقد مر الرسول صلي الله عليه وسلم علي قبره فرجمه وأصبح رجمه سنة. الفتنة العظمي ويضيف أيضا عبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء هذا الخائن الذي كان له دور في الفتنة العظمي التي حدثت بين الصحابة رضوان الله عليهم في موقعة الجمل حيث قال لبعض اصحابه يا قوم ان عزكم في خلطة الناس فاذا التقي الناس فأنشبوا الحرب والقتال بينهم. ويؤكد: لذا علينا ان نحصن اولادنا وشبابنا من هذا البلاء وذلك بأن يكون الابوان قدوة فيهتمون دائما بقضايا وطنهم فيتأثرون بما يحدث له من أحداث سواء سارة أو محزنة لأن هذه المشاعر تنتقل تلقائيا للأولاد وأيضا حكي القصص التي تنمي روح الوطنية في النفوس.