أعاد المؤتمر الصحفي الذي عقده المستشار عاصم الجوهري رئيس جهاز الكسب غير المشروع الأسبوع الماضي - ورد فيه بقوة علي المرجفين - الأمور الي نصابها فيما يتعلق بالتعامل مع قرارات وأحكام القضاء . وجاء في وقته تماما القرار الذي اتخذه المستشار الجوهري - وننتظر مثيلا له من النائب العام - باستدعاء بعض المسؤولين عن وسائل الاعلام التي تتناقل معلومات غير موثقة عن مسار التحقيقات في الجهاز وتنسب معلومات غير صحيحة لمصادر "مجهولة " داخل الجهاز حول ثروات بعض المسؤولين هنا أو هناك . ولعل في تأكيد الجوهري علي ضرورة التفريق بين الحبس الاحتياطي الذي لا يعد ادانة أصلا وبين الأحكام النهائية التي لا تقبل استئنافا بالادانة وكذلك قيامه باستدعاء الكاتب الصحفي الكبير قيمة وقامة محمد حسنين هيكل للادلاء بشهادته حول ما ذكره من امتلاكه لمعلومات "موثقة " حول ثروة الرئيس السابق حسني مبارك خارج مصر التي قال انها تتراوح بين تسعة و11 مليار دولار يكون قد قدم درسا لمختلف الوسائل الاعلامية بضرورة توخي الدقة وعدم ترك العنان لشهوة ركوب الموجة باعلان مثل هذه المعلومات دونما ضابط أو رابط . ولاشك ان الشعب المصري كله في انتظار ما ستسفر عنه شهادة هيكل " الموثقة " بمعلومات لم تنجح الهيئات القضائية في الحصول علي مثلها وفي انتظار التعرف علي اجابة عن سؤال لماذا فضل هيكل عدم ابلاغ الجهات القضائية بمثل هذه المعلومات من تلقاء ذاته خدمة للعدالة ؟! أم أن الأستاذ - الذي عاد متألقا بعدما كان قد استأذن في الغياب - فضل أن تكون المعلومة لديه يستخدمها في لقاءات صحفية أو تلفزيونية متنوعة . وسعادتي بالمستشار الجوهري وكيف أنه اثبت أن للعدل صوتا قويا لا تمنعني من أن أطرح سؤالا عن المسؤولية القانونية لرجال تحريات الكسب غير المشروع اذا ثبت عدم صحة التحريات التي قاموا بها وتم من خلالها توجيه اتهام للبعض وهو ما تأكد - مثلا - في وجود مستندات عكس نتائج التحريات في ممتلكات الدكتور فتحي سرور .؟! . أرجو ان يظل صوت المستشار الجوهري عاليا وأن يعلو معه صوت النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود وقبلهما أيضا صوت المستشار عبد العزيز الجندي وزير العدل لأن علو أصوات أمثال هؤلاء من سدنة العدالة كفيل بإسكات أصوات أمثال هؤلاء الذين لم يعودوا يجدون غضاضة في التعليق علي قرارات النيابة وأحكام القضاء علي رغم أن مثل هذه التصرفات مؤثمة قانونا . وأصبحت برامج التوك شو الليلية علي الهواء تغص بالكثيرين من أمثال هؤلاء الذين سبق لي وصفهم بأنهم الذين يتوهمون امتلاك الحقوق الحصرية للمعرفة والحقيقة . خصوصا وقد أصبح أمثال هؤلاء ضيوفا شبه دائمين علي الكثير من التوك شوهات الليلية .ان ضبط حالة الفلتان الاعلامية بايجاد محاسبة سريعة وتحقيق عاجل في اي معلومات يتم بثها علي الهواء كفيل بتحقيق مناخ أكثر هدوءا نستعيد فيه الانتظام في الحياة اليومية . فما جعل الكثيرين ينتفضون عندما صدر قرار جهاز الكسب غير المشروع باخلاء سبيل سوزان ثابت قرينة الرئيس السابق بعد تقديمها توكيلات تمنح الجهاز حق التصرف في أية حسابات باسمها في الداخل أو في الخارج كان نتيجة للمبالغات الاعلامية التي تنافست فيها الصحف حكومية وخاصة وحزبية في نشر أرقام مهولة عن ممتلكات سوزان وغير سوزان . ولا يستطيع جهاز الكسب غير المشروع أن يكشف عن تحرياته وتحقيقاته باعتبار ها من الأسرار الخاصة الي أن يثبت عدم مشروعيتها . أعجبني : رد الفعل العملي الذي اتخذته بعض قيادات حزب الوفد العريق وعلي رأسهم السيدة الدكتورة مني مكرم عبيد احتجاجا علي موضوع نشرته صحيفة "الوفد" عن فتاة زعمت أن متعصبين أقباط اختطفوها وأجبروها علي وشم الصليب علي يدها . ان ملايين المصريين يؤمنون بأن الوفد هو حزب الوحدة الوطنية علي مدار تاريخه ومن هنا يصبح مثل هذا الخطأ المهني من صحيفته كبيرا جدا . والحقيقة أن هناك حالة من حالات الاندفاع نحو الاثارة بدأت تظهر بوضوح علي صفحات" الوفد " الذي أحبه منذ زمن بعيد وأحب فيه أنه الحزب الذي يقدم النموذج دائما للممارسة السياسية الهادئة والحكيمة وأنه كان كذلك بالنسبة للأداء المهني العالي في صحيفته التي كان كل رؤساء تحريرها ابتداء بالراحل الرائع مصطفي شردي وانتهاء بالراحل سعيد عبد الخالق يحرصون جدا علي عدم الوقوع في مثل هذا النوع من الأخطاء المبدئية . وكلي أمل في أن تسارع جميع قيادات الوفد الحزب والصحيفة الي اعادة " الوفد " العريقة الي مسارها التاريخي الصحيح معبرة عن مباديء الوفد ومعبرة عن ضمير الأمة . لم يعجبني : تطوع أحد المذيعين في أحد برامج التوك شو الأسبوعية بموافقة ضيفه في المطالبة بعلانية جلسات المحاكمة تحديدا في قضايا المال العام . بل ان المذيع قال انه وقناته ينتظران الموافقة بادخال ولو كاميرا واحدة لتغطية هذه الجلسات وبثها علي الرأي العام . يبدو ان المذيع لم يكلف نفسه عناء قراءة حيثيات القانون لمنع تصوير المتهمين داخل قاعة المحكمة بأي وسيلة . ببساطة هذا الحظر يستهدف حماية أي متهم من التعريض بسمعته وهو في مرحلة المحاكمة التي يكون فيها بريئا وحرا . ولا أتمني أن يصبح المذيع في مكان احد من هؤلاء المتهمين . أتمني : أن تهتم وسائل الاعلام المنغمسة هذه الأيام في نشر الأخبار والموضوعات الاستنتاجية وترديد الشائعات الساخنة والمثيرة التي تنشر علي مواقع الانترنت بتحقيق الوظيفة التعليمية للاعلام مكتوبا كان أم مسموعا أو مرئيا . ولأن القضية الأهم والأكثر أولوية والحاحا من وجهة نظري هي العدل فانني أنتظر مجموعة من التحقيقات التي تتناول النصوص القانونية الخاصة بحقوق المواطنين وواجباتهم. لا يعجبني : الدكتور جودة عبد الخالق الرجل الأكاديمي ووزير التضامن الاجتماعي كان ضيفا علي معظم الصحف اليومية السبت الماضي في حوارات خاصة تؤكد أن الرجل مشغول جدا بقضايا التنظير التي يجيدها لخلفيته الأكاديمية والأيديولوجية . ولأنه لم يكن حريصا فيما سبق علي الملابس الرسمية وكان يرتدي ملابس "كاجوال " قبل توليه الوزارة فقد اسعدنا جدا اهتمامه الواضح بالأناقة في الصور التي ظهر عليها في مكتبه الوثير بالوزارة . وفي كل حواراته لم أجد له - وقد تعدل هندامه - أي ردود عملية في مهام ووظائف وزارته فهو علي ما يبدو مغرم بالردود النظرية والتنظيرية بدليل استمرار الأزمات في القمح والخبز والسولار وأنابيب البوتاجاز رغم كل وعود الدكتور جودة الوردية التي يحدد فيها مواعيد محددة لحل المشاكل .